صنعاء| يقولون «غلطة الشاطر بألف». وهذه العبارة تنطبق على قناة «الجزيرة» في اليمن. قرار نظام الرئيس علي عبد الله صالح إغلاق مكتب القناة القطرية بالشمع الأحمر قبل ثلاثة أيام، أعاد الفخ «المميت» الذي وقعت فيه المحطة إلى الواجهة. بدأت القصّة خلال اجتماع خاص عقده الرئيس اليمني مع رجال المطبخ الإعلامي الرسمي التابع لـ«حزب المؤتمر الشعبي العام» الحاكم بعد وقت على اندلاع «ثورة الشباب اليمنية». خلال هذا الاجتماع، مرّر لهم الكلمة السرّ: «يجب إسكات الجزيرة». هذه الجملة كرّرها عندما قدّمت القناة أداءً لافتاً في نقل وقائع «مجزرة الجمعة الدامية» التي وقعت الشهر الماضي في «ساحة التغيير» في محيط جامعة صنعاء.
أداء «الجزيرة» في نقل ما جرى هناك، حتّم سرعة تنفيذ رغبة «فخامة الرئيس» في إغلاقها. لم يمر وقت طويل حتى اقتحم 20 شخصاً مكتب القناة في صنعاء عابثين بمحتوياته قبل أن يخرجوا وفي أيديهم العديد من الأجهزة الخاصة بالمكتب ومنها جهاز البث المباشر الذي لا يستقيم العمل من دونه... علماً بأنّ كل هذه الاعتداءات وقعت تحت أنظار رجال أمن كانوا قرب المكان. وقبل ذلك، تعرّض مصور القناة مجيب صويلح لاعتداء عنيف في مدينة تعز (جنوب صنعاء)، ما أدى إلى إصابته بكسر في إحدى يديه.
كل هذا حدث قبل أيام من تصويت مجلس النواب اليمني عبر نصاب غير مكتمل، لصالح فرض حالة الطوارئ في البلاد. مع صدور هذا القرار، كان المطبخ الإعلامي للحزب الحاكم يعمل على قدم وساق لتنفيذ «رغبة» الرئيس في «إغلاق قناة الفتنة» وهي التسمية التي أطلقها على «الجزيرة» منذ بدأت تغطيتها لـ«ثورة الشباب».
ورغم أنّ قانون الطوارئ يخوّل لهم إغلاق مكتبها وسحب التراخيص من صحافييها، لم يفعلوا. وبدلاً من هذا، ذهبت عقولهم الجهنمية إلى خطة مثل تلك التي تُنسج لشخصيات سياسية مشاغبة بغية إخراجها من العمل السياسي نهائياً. وقد أرادوا أن يبدو قرار إغلاق مكتب «الجزيرة» مقبولاً ومبرراً عند الجمهور.
تلخّصت الحيلة في ظرف يحتوي على قرص يضمّ تسجيلاً لمشاهد تعذيب معتقلين في أحد السجون العراقية، أُرسل بطريقة ما إلى مكتب القناة في صنعاء. ولا مجال للشك هنا. إذ إنّ «الجزيرة» كانت الوحيدة التي أتيحت لها تغطية أعمال العنف التي اندلعت في السجن المركزي في صنعاء منذ أسابيع وسقط جراءها نحو ثلاثة قتلى. وكانت هذه التغطية سبباً في تلقّي مراسل القناة في اليمن أحمد الشلفي تهديدات بخطف أبنائه إن لم يتوقف عن إرسال تقاريره الإخبارية. ولعلّ العاملين في المكتب وجدوا في هذا التسجيل فرصةً للرد على ما وقع لهم من حوادث اعتداء وتلقّي رسائل تهديد. لذا، لم يدققوا في محتوى التسجيل الذي وصلهم إضافة إلى وجود رابط قد يبدو منطقياً بين مشاهد التسجيل وبين الأحداث التي غطّوها قبل أيام في السجن.
هكذا، وصل التسجيل إلى مكتب القناة في الدوحة. حالما بثته، صدر قرار بإغلاق مكتب «الجزيرة» في اليمن وسحب تراخيص العاملين فيها ومنعهم من مزاولة المهنة. أما السبب فهو مواصلة «الجزيرة» «سياسة التضليل الإعلامي تجاه اليمن، وآخرها ما بثته من صور لتعذيب سجناء في أحد سجون العراق على أنّها تجري في اليمن»! وجاء في بيان صدر عن وزارة الإعلام اليمنية أنّها «قررت سحب التراخيص التي منحتها لمراسلي «الجزيرة» في اليمن بسبب عدم التزامهم الصدقية والمهنية والحياد في تعاطيهم مع الأحداث ونقلهم أخباراً كاذبة وإعطاء صورة مغلوطة وغير واقعية للمشاهد العربي والأجنبي عن الأوضاع في اليمن». وذهب بعضهم إلى تحميل القناة مسؤولية الدم الذي يسيل في اليمن رغم أنّ القناة قدّمت اعتذاراً للمشاهدين حالما عرفت بهذا الخطأ الفادح.