الدوحة | «الرئيس ما زال يعيش في زمن الأبيض والأسود. إنه لا ينوي فتح التلفزيون لأنّ نرجسيته العالية لا تتقبل النقد»، علّقت خديجة بن قنة على إصرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على تجاهل مطالب فتح الإعلام المرئي والمسموع في الجزائر. ولعلّها كانت الأكثر حدّة بين زملائها الإعلاميين الجزائريين في الداخل والخارج. يبدو أن نداءات الصحافيين الجزائريين والمعارضة السياسية، والثورات التي تجتاح الشارع العربي، وبوادر التململ والغضب الشعبي في الجزائر، كلها لم تحرك اقتناعات الرئيس الجزائري قيد أنملة، وهو الذي قال خلال ترشحه لولاية جديدة عام 2004 على التلفزيون الرسمي: «ما دمت في السلطة، فلن أقبل بفتح التلفزيون».

ويبدو أنّه مصرّ على هذه السياسة، إذ أطّل أول من أمس ليكتفي بوعد قديم ينص على «دعم المجال السمعي البصري في قنوات متخصصة»، مما يعني قنوات رياضية وثقافية ستكون نسخة مستنسخة عن «رداءة التلفزيون الرسمي» كما يردد غالبية الجزائريين! لكنها لن تكون في أي حال خاصة ومعارضة لنظام الحكم.
تجاهل الرئيس لفتح الإعلام المرئي والمسموع لم يحرك الإعلاميين الجزائريين في الداخل، ولم يقرروا الخروج في مسيرة أو وقفة احتجاجية، ولا أطلقوا مبادرة إعلامية كما فعل أقرانهم في الخارج! ربما لأنّ سنّ قانون للإعلام، ووعد الرئيس بإلغاء قانون تجريم الصحافيين، هما أولوية تسبق المطالبة بفتح السمعي والبصري بالنسبة إلى «صحافيي الداخل».
قبل ثلاث سنوات تقريباً، تجاهل الرئيس بوتفليقة مبادرة من «رابطة الإعلاميين الجزائريين في الخارج»، تضمنت اقتراحات لمساهمتهم في تطوير البلاد، استجابة لنداء أطلقه الرئيس في إحدى خطبه، مناشداً «الإعلاميين في الخارج المساهمة في عملية بناء الوطن». وبعد لقائه بمجموعة من الإعلاميين في الدوحة خلال إحدى زياراته السابقة، طلب الرئيس منهم تسليمه مبادرة مكتوبة، فكان ذلك. لكن بوتفليقة لم يردّ عليها!
حاتم غندير، رئيس القسم الاقتصادي في قناة «الجزيرة» ومنسّق «رابطة الإعلاميين الجزائريين في الخارج» قال لـ«الأخبار» عن مصير المبادرة: «سلّمنا المبادرة للرئيس بوتفليقة قبل ثلاث سنوات من باب المساهمة في تطوير الإعلام الوطني وتعزيز دوره» مضيفاً «وعد الرئيس بالردّ، لكن حتى الساعة لم نتلقّ أي رد. شخصياً، أرى بعد مرور كل هذا الوقت، أن الأمر لم يؤخذ بالجدية التي طرحنا بها الوثيقة. ربما صدقت توقعات بعض الزملاء الذين قالوا إن مبادرتكم صيحة في واد ولن يُلتفت إليها!». ورأى غندير أن «عدم فتح الإعلام المرئي والمسموع أصبح أمراً مثيراً للضحك، خصوصاً بالنسبة إلى الشباب الذين نسوا أن هناك شيئاً اسمه تلفزيون في عصر «يوتيوب» و«فايسبوك»، والبث عبر الإنترنت. وقد شاهدنا ماذا حصل في دول مجاورة أحكمت قبضتها على الإعلام، فهذا لم يمنع حدوث انفجار مدوٍّ فيها».
بدورها، فقدت خديجة بن قنة الأمل نهائياً. إذ صرّحت لـ«الأخبار»: «الرئيس لا ينوي ذلك، لأنه يخشى أن يفتح على نفسه أبواباً لن يقدر على إغلاقها. كذلك هو لا يتحمّل النقد بسبب نرجسيته العالية وتمحوره حول ذاته بوصفه مركزاً للدولة. عملية فصل التوأم، الدولة والرئيس، إشكالية كبرى في الجزائر. الإعلام السمعي البصري لم يعد مطلباً ترفيهياً بل سياسي ملحّ». وأضافت: «لماذا وعد بذلك إذن في لقائه مع الإعلاميين في الخارج؟! أليس ذلك ضحكاً على الذقون؟ ثم كيف يمكن احترام مؤسسة رئاسية أو حكومية تقدم وعوداً للشعب تحت الضغط والخوف من الشارع ثم تتراجع لأنّ الشارع عاجز عن بث الخوف المطلوب لتحقيق الوعود. الرئيس يسيء إلى الجزائر وتاريخها وسمعتها بانغلاقه على نفسه وفرض انغلاق الجزائر على نفسها. ورغم الدروس والعبر التي تحيط بنا في موسم الثورات، لا يبدو أن السياسة الجزائرية حفظت درساً واحداً من هذه الدروس». وتابعت: «المقارنة بين الإعلام والمرئي المسموع والصحافة المكتوبة غير منطقية، خصوصاً عندما نعلم أن جزءاً كبيراً من الصحافة المكتوبة في الجزائر مسيّر من وراء الستار. إذا كانت الصحافة الخاصة تعاني الفوضى، فهذا بسبب غياب قانون إعلام عصري منفتح يحدد للصحافيين وملّاك الجرائد ما لهم وما عليهم».
من جهة ثانية، قال الإعلامي الجزائري في قناة «أبو ظبي» مدني عامر: «منطق الوصاية والرقابة والاحتكار هو احتقار للعقل وللكرامة. التلفزيون الجزائري الذي كان ذات يوم سباقاً ورائداً لكل التجارب العربية، هو اليوم أسوأها بسبب الإدارة السياسية للوظيفة الإعلامية. الحل يكمن في رفع يد السياسيين عن الإعلام والإعلاميين!».



نحو إعلام حديث

تضمنت مبادرة «رابطة الإعلاميين الجزائريين في الخارج» بنوداً عدة أبرزها تعزيز مكانة الإعلاميين في الداخل والخارج، وتمكينهم من أداء واجبهم المهني في ظروف مواتية بما يحقق مبدأ الرقابة والشفافية والصدقية، وحمايتهم من الضغوط بمختلف أشكالها. كذلك تنص على تشجيع الاستثمار العام والخاص في المجالات الإعلامية المختلفة، وإنشاء مدينة حرة للإعلام، والاهتمام بتنمية وتأطير ما يعرف بالإعلام الجديد، وحق التقاعد والضمان الاجتماعي للإعلاميين، وإنشاء هيئة أو مجلس يضم الإعلاميين الجزائريين العاملين في المهجر، وضمان حق المشورة والتمثيل في القضايا المتعلقة بالإعلام الجزائري.