باريس | كل الظروف كانت مهيأة لجعل الدورة الـ64 من «مهرجان كان السينمائي الدولي» التي تنطلق يوم ١١ أيّار (مايو) المقبل، واحدة من أخصب الدورات التي تشهدها الكروازيت منذ مطلع الألفية الجديدة. حين اعتلى رئيس المهرجان جيل جاكوب ومفوّضه العام تييري فريمو يوم الأربعاء الماضي منصة المؤتمر الصحافي الذي جرت العادة أن تحتضنه قاعة «غران أوتيل» الباريسية، كانت المعلومات الأولية تبشّر بعودة سينمائيين كبار افتقدتهم الكروازيت منذ عقود، كما هي الحال مع الأميركي تيرينس مالك، الذي تعود آخر مشاركة له في «كان» إلى 1979. أما لجنة التحكيم الدوليّة فيرأسها هذا العام روبرت دي نيرو.

وبالفعل، بعد كشف النقاب عن البرنامج، لم تأت التشكيلة الرسمية مخيبة الآمال. لكن مفاجأتين سرقتا الأضواء من الأعمال التي ستدخل السباق على «السعفة الذهبية». الأولى بادرة سارة تقرّرت قبل ساعات من إعلان برنامج المهرجان، وتتمثل في الاحتفاء بـ«الربيع العربي» عبر اختيار السينما المصرية ضيف شرف لهذه الدورة. ورغم أنّ جيل جاكوب يؤكّد أنّ هذه التظاهرة التي ستُخصص للاحتفاء بالثورات العربية ستبرز أعمال رواد «الواقعية النقدية» العربية من صلاح أبو سيف إلى يوسف شاهين (راجع الكادر أدناه)، استغرب بعضهم أن يحتفي المهرجان بالثورات العربيّة التي صنعها ويصنعها الآن الجيل الجديد، من دون أن يفسح البرنامج مكاناً يذكر للتجارب السينمائية الشابة التي أنتجت أخيراً في العالم العربي. الاستثناء الوحيد هو جديد اللبنانيّة نادين لبكي «والآن إلى أين؟» الذي سيُعرض ضمن تظاهرة «نظرة ما» التي يرأس لجنة تحكيمها أمير كوستوريتسا.


أما المفاجأة الثانية، فتمثلت في سابقة مثيرة للجدل تعدّ الأولى في تاريخ المهرجان، تتعلق بقبول فيلم يروي سيرة الرئيس ساركوزي، رغم أنّ «الغزو» (إخراج كزافييه دورانجير)، يسلّط نظرة نقدية إلى الساركوزية، حسب المعلومات الأولية المتوافرة. لكنّ كثيرين استهجنوا أن يقبل مهرجان يتبع رسمياً لوزارة الثقافة الفرنسية ـــــ رغم ما يشتهر به من استقلالية ـــــ فيلماً يروي سيرة رئيس فرنسي ما زال في الحكم. وزاد من الجدل أنّ زوجة ساركوزي، كارلا بروني، ستكون حاضرة في «كان» ممثّلة: لقد ارتأى وودي ألن أن يبني حولها فيلمه «منتصف الليل في باريس» الذي سيُفتتح به المهرجان.
على صعيد البرنامج، نجد في السباق إلى «السعفة الذهبية» ثلاثة سينمائيين بارزين نالوا سابقاً هذه الجائزة الأشهر عالمياً: لارس فون تراير الذي يعود بـ«اكتئاب» الذي تؤدي بطولته الفرنسية شارلوت غينسبور، وكانت قد أدّت بطولة Antichrist، الفيلم قبل الأخير للمعلم الدنماركي الذي استُقبل بموجة عارمة من الصفير والاستهجان في «كان» قبل عامين. من المحطّات المنتظرة أيضاً فيلم Habemus Papam، جديد الإيطالي المشاغب ناني مورتي الذي يلعب فيه النجم الفرنسي الكبير ميشال بيكولي دور... بابا الفاتيكان. هناك أيضاً الأخوان داردين العائدان مع «صبي الدراجة»، وقد بدأ النقاد يراهنون عليه، بصفته الفيلم الأوفر حظاً في افتكاك السعفة هذه السنة.


إلى جانب هؤلاء، نجد خمسة مخرجين من كبار صناع السينما العالمية، سبق أن تألقوا في «كان» ونالوا جوائز عدة، باستثناء «السعفة الذهبية»: الإسباني بيدرو ألمودوفار، أحد أكثر السينمائيين شعبية على الكروازيت، يعود هذه السنة بـ«الجِلد الذي أسكُنه» (بطولة أنطونيو بانديراس وإيلينا أنايا). الفنلندي آكي كوريسماكي يعود إلى الكروازيت، بعد خمس سنوات من الغياب، في أول عمل له مصوَّر في فرنسا ـــــ وبالفرنسية! ـــــ بعنوان Le Havre (على اسم المدينة الشمالية الفرنسية حيث صُوِّر الفيلم في أحد موانئها).
التركي نوري بيلج سيلان سيقدم «كان يا ما كان في الأناضول». اليابانية ناعومي كاواسي ستقدم Hanezu no Tsuki الذي لفت تييري فريمو المفوض العام للمهرجان خلال المؤتمر إلى أنّه استبق كارثة فوكوشيما النووية. أما الأميركي (من أصل لبناني) تيرينس مالك فسيعود إلى الكروازيت بعد غياب 32 سنة بـ«شجرة الحياة».
خارج المسابقة، تعج التشكيلة الرسمية بالأسماء المرموقة، بدءاً بالمخرج الأميركي الرهيب وودي ألن الذي يقدّم «منتصف الليل في باريس». أما مواطنه غس فان سانت فيفتتح تظاهرة «نظرة ما» بعمله الجديد «توتُّر».


ضمن «العروض الخاصة» التي تندرج في التشكيلة الرسمية لكن خارج المسابقة، نجد «عقدة القندس» الذي يحمل توقيع النجمة جودي فوستر. إلى جانب فيلم فرنسي سيكون من المحطات المميزة، هو «الفنان» لميشال هازانافيسيوس الذي يستعير أحدث التقنيات الرقمية للاحتفاء بالعصر الذهبي للسينما الصامتة في هوليوود العشرينيات.
ولن يخلوَ الأمر من وجود هوليوود في «كان» هذا العام، من خلال العرض العالمي الأول للجزء الرابع من سلسلة «قراصنة الكاريبي». وعلى النقيض من هذا الفيلم التجاري، ستسجل السينما المناهضة للعولمة حضورها من خلال «كلّنا إلى اللارزاك» لمخرجه الفرنسي كريستيان روو. (شهدت منطقة اللارزاك في السبعينيات حركة احتجاج مهمّة تواصلت سنوات، تضامناً مع الفلاحين الذين وقفوا بوجه وزير دفاع بومبيدو آنذاك ميشال دوبريه، رافضين قراره توسيع القاعدة العسكريّة التي يشغلها الجيش الفرنسي). وقد وعد Rouaud بأنه سيعتلي السجادة الحمراء الشهيرة في «كان» برفقة كوكبة من نجومه الذين يتقاسمون بطولة الفيلم، وهم... قطيع أغنام من الريف الفرنسي!
www.festival-cannes.com