طهران | لم تتّضح بعد الأسباب التي دفعت السلطات الإيرانية إلى منع شهرام ناظري من الغناء في شيراز. كان يُتوقع أن يحيي الفنان، وهو أحد عمالقة الغناء التراثي الإيراني، مع فرقة «فردوسي»، حفلتين في 15 و16 من الشهر الجاري. لكنّ الأوساط الثقافية والفنية في إيران فوجئت بقرار المنع. أحد المشرفين على تنظيم الحفلة أعرب عن دهشته، قائلاً: «في الوقت الذي كانت فيه فرقة «فردوسي»، والسيد شهرام ناظري، يجريان تمارين مكثفة، أُبلغنا من دون سابق إنذار بإلغاء الأمسية بناءً على قرار من الجهات الحكومية».يبدو أنّ شهرام ناظري الملقّب بـ«فارس الأغنية التراثية»، سيضيف حكاية أخرى إلى حكايات «الشاهنامة»، أو ملحمة الملوك. فقصة ناظري مع الملحمة الوطنيّة لبلاد فارس، يكتنفها الكثير من التعقيد، منذ أدائه لها قبل ثلاثة أعوام، وقيام السلطات الإيرانيّة بمنع العمل. وجاء قرار منع حفلات شيراز ليزيد من التشنّج في العلاقة بين الوسط الموسيقي والدوائر الرسمية، علماً بأن الجهات الرسميّة كانت قد سمحت لناظري بأداء «الشاهنامة» خلال أربع ليال متتالية في طهران الشهر الماضي.
في تلك الليالي، حقق ناظري وفرقته نجاحاً مذهلاً، أبرزها تجاوز الحساسيات غير المبررة. فقد أثبت للجميع أنّ إسباغ أي طابع سياسي على العمل، يفتقر إلى الحدّ الأدنى من الصدقية. وكان بعضهم يعتقد بأن المغني الكردي، سيوظف قصة الحدّاد كاوة ـــــ الشخصية الكردية الأسطورية في الشاهنامة ـــــ لأغراض سياسية!
على صعيد آخر، رسخ ناظري فرادته في غناء التراث الإيراني، ونجح في إضفاء منحى تحديثي عليه. لم يسبقه أحد من المطربين التراثيين (المنشدين الروحيين) أو قرّاء المقام الإيراني على تقديم الشاهنامة غنائياً. وكانت المجازفة على أكثر من مستوى، أولها القدرة على خلق تفاعل روحي مع مضامين حماسية ملحميّة. «لم يكن للشاهنامة أي مكانة في الموسيقى الإيرانية التقليدية في الأعوام المئة الأخيرة»، يقول ناظري. ويضيف: «الإشارات البسيطة للشاهنامة كانت متوافرة في عالم الأداء المقامي. وقد وظّفتُ ألحاناً قديمة وتعابير أدائية مستخلصة من التراث الإيراني القديم، والتراث المحلي. كما وظفتُ خبرتي في العقدين الأخيرين لإنجاز هذا العمل الموسيقي الغنائي».
قد يلجأ ناظري إلى إقامة الحفلة ذاتها في بلدان مجاورة استجابة لرغبة آلاف الإيرانيين المعجبين بأدائه لملحمة شاعر الفرس الأكبر أبو القاسم الفردوسي (935 ــــ 1020). إلا أنّ خطوة من هذا القبيل تطرح سؤالاً كبيراً: لماذا أخفقت الثقافة الرسمية في إيران في الانسجام مع الغناء التراثي الأقرب إلى منظومتها المعرفية والأخلاقية؟ أليست هي التي تبنّت مقولة الفن المعنوي، وكرست له عشرات المهرجانات ومئات التظاهرات الفنية؟