في أعمال منى السعودي (الصورة)، لا ينفصل العمل الفني عن القصيدة، بل ينطلق منها، يجسّد معناها البكر، ويثب برقّة وحزم، متجاوزاً دوراً استكمالياً ليحاورها. «أعمالي كلّها تنطلق من ذاكرتي الشعرية»، تقول التشكيلية والنحاتة الأردنية المقيمة في بيروت.
منذ عام 1975، يوم ظلّلت أبيات أدونيس في «مفرد بصيغة الجمع» بريشتها، وتلك الفنانة تحاكي القصيدة. أوليس فعل الكتابة بدوره نحتاً، ولكن في الوجود واللغة؟ الصبية التي كانت ترسل قصائدها لمجلة «شعر» قبل أن تشق طريقها في مجال النحت، زاوجت بين الولعين في لوحاتها. منذ السبعينيات، وهي تشكّل، بإضافاتها من الخطوط والتعرجات الحبرية، امتداداً لأبيات أدونيس ومحمود درويش وسان جون بيرس. «لطالما أسفت لأنّ مساحة اللوحة لا تكفي في أعمالي، لإدراج جميع أبيات القصيدة التي أختارها»، تقول التشكيلية.
تلقفت «مؤسسة سان جون بيرس» في فرنسا عملها حول قصيدة صاحب نوبل (1960) «نشيد اعتدال»، ودعتها إلى إقامة معرض يتضمّن جميع أعمالها التي تحاكي فيها الشعر في مقرّ المؤسسة في منطقة «آكس أن بروفانس». وبموازاة استضافتها لمعرض «منى السعودي: إلهامات شعرية» الذي افتتح في آذار (مارس) الماضي ويستمرّ طول ثلاثة أشهر، أصدرت المؤسسة قصيدة «نشيد اعتدال» مترجمة إلى عشر لغات في كتاب مع رسمة بريشة السعودي. تزامناً مع هذا الإصدار، ارتأت الفنانة أن تجمع رسومها المستوحاة من قصيدة أدونيس «رقيم البتراء» في كتاب.
في الإصدارين اللذين يتضمنان رسوماً أنجزتها الفنانة خلال التسعينيات، يعود الشعر من أثيره، ليسكن الورق. ترسم السعودي كما تنحت. تملأ الورق بأشكال وأحجام تحاكي أحجارها الأثيرة في حديقة بيتها البيروتي. في لوحات «نشيد اعتدال» خطوط بيانية مكثفة، ريشة تتقن الحفاظ على الاستدارات وليونة الكتلة رغم الضربات الثابتة والحاسمة: هنا، تستحيل ريشة الحبر إزميلاً ينحت الشكل بضربات مكثفة وسريعة كالنقرات المتتالية. أما في الرسوم التي خصّت بها «رقيم البتراء»، فقد أنجزت الفنانة خطوطاً متّصلة منسابة، رفيعة عموماً، تركت مساحة أوسع للضوء، وأبياتاً نسختها بيدها.
ترسم منى السعودي أشكالاً كالتي تنحتها: ريشة بدل الإزميل، وورقة بدل الفضاء الواسع ... لكن في النهاية «جميع الأعمال تخرج من بطن واحدة» تقول.
www.fondationsaintjohnperse.fr