يبدأ العدد الجديد المزدوج (الثاني والثالث) من مجلة «نثر» بداية صادمة، ترتبط بتطورات الأشهر الأخيرة، وما شهدته من تضييق وانتهاكات مورست في العراق. في موقفها الافتتاحي، تعلن المجلة «العراق ولاية المتأسلمين الجدد»، وتقول: «لكم دينكم ولنا حريّاتنا». وتواصل الفصلية الثقافية: «إننا نتصدى لأسلمة الدولة وأفغنة الثقافة وطأفنة المجتمع وقومنة الوطن». وتأتي كلمة مدير التحرير الشاعر عمر الجفال، لتكون في لبّ المواجهة الحاصلة اليوم، من جانب المثقفين الملتزمين مع سلطتهم التي تؤسس للقمع بنحو جديد. في هذا السياق، يعنون الجفال مقاله: «العراق الديني... عن السلطوي الجديد والمثقف المتلون»، متذكراً أولئك الكتاب الطبّالين لنظام صدام الذين سرعان ما تحولوا إلى مثقفي الكانتونات الطائفية الجديدة، ينظرون لحصصها وما تستحقّه من امتيازات.

باب «جدل» من المجلة احتوى على ملف «العقل الديني ـــــ حفريات في المحرم وعبادة العدم». وفيه يدعونا الشاعر صفاء خلف إلى «الإمعان في حرب الكراهيّة الدائرة في العالم، ويبدي استغرابه من حالة «سلخ مسيحيي الشرق والعراق، من مواطنيتهم، ولصقهم بمواطنية دينية هشة». من جهة أخرى، تطرقت دراسة الباحث شاكر شاهين «الأسطورة الدينية ـــــ مستقبل العقل الغامض في المجتمع العراقي»، إلى عنف السلطة «السياسي منه بالذات»، لترى أن «إنتاجه يُعاد بلبوس يختلف هذه المرة. إنه لبوس الرمز المقدس». أبواب «تضاد» و«على الهوية» و«قنص»، حفلت بالكثير من القراءات النقدية لكتب وأعمال أدبية عراقية، فضلاً عن مقتطفات من نصوص سردية ستصدر قريباً.
وإذا كانت تسمية الفظائع العراقية بأسمائها تحسب للمجلة إلى جانب جرأتها الواضحة، فإنّ تقديمها لأصوات شعريّة جديدة بقلم الناقد نصر جميل شعث، يُحسب لها أيضاً، ضمن محاولة لتقريب المسافة بين القرّاء العراقيّين وجيل من الشعراء العرب الشباب أمثال أسماء عزايزة، وبشير شلش، وخالد جمعة، ورائد وحش، ورجاء غانم، وداليا طه، وفاتنة الغرة، وكوثر أبو هاني، وناصر رباح، ووليد الشيخ.
وتختتم «نثر» عددها المزدوج بملف عن الشاعر عبد الزهرة زكي؛ إذ خصّص باب «في حضرة نثر» للبحث في منجزه، إضافةً إلى حوار معه أعلن فيه أنه «لم يعد يثق بالحرية نفسها»، إضافةً إلى نشر مجموعة من قصائده.