الجسد السجن، الجسد المصدّر للشر، الجسد الذي يزدريه الدين، علاقة التناقض بين النفس والجسد. عناوين عدّة لصور نمطية شائعة عن علاقة الفلسفة والدين بالجسد، تجاوزتها أخيراً الحلقة البحثية التي نظّمها المنتدى الفلسفي في «معهد المعارف الحكمية» الأسبوع الماضي، حول موضوع «الجسد بما له من تداعيات ترتبط بحياة الإنسان المعرفية والروحية والقلق الوجودي في حميميّته المتّصلة بالذات». لا تكفي حلقة واحدة لبحث كل النظريات المرتبطة بموضوع شائك جداً أي الجسد. لكنّ المداخلات أخذت طابعاً تعريفياً وسردياً، مطعّمة ببعض التحليل والرأي. شرح الباحث جوزيف معلوف مفهوم الجسد في فكر الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلوبونتي. والجسد بالنسبة الى هذا الأخير «يسهم في الكشف الشامل للكائن»، وهو «ظاهرة الظواهر، ويحتضن في بيئته الظواهرية الخاصة المعنى النهائي للوجود».

وبحسب ميرلوبونتي، فإن التعبير عن الذات لا يحصل إلا عبر إدراكه بالجسد، والشعور، والتفكير، والحب، والكره كلّها محكومة باستعمال الجسد. في ذروة مداخلته، وصل معلوف إلى القول: «أنا جسدي ولا يمكنني أن أكون شيئاً آخر إلا جسدي»، مخرجاً الجسد من التصور الكلاسيكي الذي يجعله آلة ميكانيكية تسير بإيعاز من الفكر.
كان لمداخلة الباحث بولس الخوري وقعها الحماسي. طرح الرجل أسئلة حساسة على المتدينين، بعد عرضه التعريفات التاريخية المختلفة للجسد والنفس والروح، وارتباط هذه العناصر التكوينية الإنسانية ببعضها. من أي وجود خلق الله الخلق؟ وكيف لله الذي يعرّفه الدين على أنّه ليس جسداً، أن يخلق جسداً وماديّات خلافاً لماهيته؟
وقدّم الشيخ حسن بدران القراءة الإسلامية لها، في مداخلة بعنوان «ازدراء الجسد والنظرة إلى الدنيا». عدّد بدران مجموعة كبيرة من الشواهد الدينية للدلالة على أنّ ما يحكى عن ازدراء الدين للجسد، ليس بالأمر الصحيح. دينياً، الجسد هو موضوع الحياة والموت والرزق. فالقرآن بحسب بدران، يسهب في وصف العليات الجسدية بوصفها نشاطاً إلهياً متميزاً. والجسد ليس مرتبطاً بالخطيئة في المنظور الديني، إلا بمقدار ارتباطه بالنفس ذاتها. فالمعاصي الدينية، «تنسب إلى الجسد كما تنسب إلى ضمير الإنسان وعمله»، بتعبير بدران. الحدود بين النفس والجسد برأيه هي وهم، مستوحى من فلسفات يونانية، تدعو إلى الانفصال بين حيثيات الوجود الإنساني. ودعا بدران إلى اختراق الحدود الفاصلة بين النفس والجسد، مستشهداً بعلماء دين أيّدوا هذا التوجه كالملّا صدرا والإمام الخميني.
بدوره، أسهب الباحث أحمد ماجد في حديثه عن الجسد والأسطورة. هكذا ذكرنا كيف رأى الإغريق الجسد وسيلة للعيش في الواقع، وآمنوا بضرورة الاهتمام بالجسد، وتدريبه لكي يستطيع أن يقوم بدوره في الحياة الإنسانية.