دمشق| منذ سنوات والإذاعات السورية تعيش صراعات بهدف جذب أكبر عدد من المستمعين. هكذا تدّعي كل محطة أنها «الأولى في عدد المستمعين، وتغطيتنا ممتدة على كل الأراضي السورية ...». وكان عدد الإذاعات قد ازداد مع بداية الألفية الثالثة بعدما سارع رجال الأعمال والإعلاميين إلى الحصول على تراخيص من وزارة الإعلام تخوّلهم البث على أثير «أف. أم.». ويتنافس كل راديو على تقديم برمجة منوّعة وشاملة، فنستمع مثلاً إلى البرامج الحوارية، والثقافية، والفنية، طبعاً إلى جانب البث المستمر للأغاني. لكن مع اندلاع الأحداث الاحتجاجية في سوريا، تغيّرت برمجة كل الإذاعات. وبتنا نستمع لساعات إلى المذيعين الذي يتلقون الاتصالات المباشرة من جميع المدن السورية، باستثناء محافظة درعا! أما خلفية المشهد السمعي، فهي أغنيات وطنية وقومية.

أغانٍ أُخرجت على عجل من الخزائن والأدراج، لتناسب المرحلة الحالية، ومعظمها لا يستوفي أدنى شروط العمل الفني الناجح. لكن التظاهرات الأخيرة سمحت لها بالوصول إلى آذان المستمعين، طالما أن كلماتها تمجد «قائد الوطن» الرئيس بشار الأسد، و«شعب سوريا الأبي والوطني».
هكذا تحولت كل من إذاعة «شام أف أم»، و«أرابيسك»، و«صوت الشباب»، و«المدينة» وغيرها إلى استوديو واحد، يشبه تماماً استوديو الإذاعة السورية الرسمية، ولا فرق بينها سوى أسماء الضيوف الكثيرة. وحتى تكسر الروتين الذي فرضه الحدث، عملت إذاعة «أرابيسك» مثلاً، على بث أجزاء من كلمة الرئيس بشار الأسد، واجتهد المخرج الإذاعي، في البحث عن أغنية تحاكي كل مقطع منها. أما إذاعة «صوت الشباب» فاتصلت بكبار الفنانين العرب والسوريين على السواء، وفتحت لهم الأثير للتعبير عن مدى فرحهم وسعادتهم بكلمة الرئيس السوري التي «طمأنت الوطن والشعب العربي». مثلاً تحدث الياس الرحباني، عن العلاقة الحميمة والقديمة التي تربط أسرة الرحباني بسوريا. وأكد «ضرورة وقوف جميع الأحرار والوطنيين في العالم، مع سوريا قائداً وشعباً في هذه المحنة». ويبقى القاسم المشترك أيضاً بين جميع هذه الإذاعات، وهو غياب مظاهر العزاء أو الحزن على الضحايا الذين سقطوا من أبناء الشعب السوري بمختلف محافظاته ومدنه. كما غابت أيضاً جميع الأغاني الوطنية التي تدعو إلى الثورة واستنهاض الهمم، مثل أغاني مارسيل خليفة، والشيخ أمام وأحمد قعبور، وخالد الهبر وغيرهم. إنها حالة من التناقضات غير المحدودة التي أصابت أيضاً أثير الإذاعات السورية الخاصة، بعدما اجتاحت أغلب الفضائيات السورية الرسمية والخاصة ... على قلّتها.



لا مكان للحزن

في ظلّ النشوة التي تعيشها أغلب الإذاعات السورية بخطاب الرئيس بشار الأسد، ووعوده بإصلاحات سياسية واقتصادية، خرج علينا الفنان السوري سميح شقير، بأغنية «يا حيف» (راجع صفحة 13). هذه الأغنية التي كتب كلماتها وألحانها، وسجلها في مكان أقامته في فرنسا، حيث يعالج من مرض في القلب. إذاً قلب شقير المريض لم يمنعه من التعبير عن حزنه على شهداء مدينة درعا الذين سقطوا برصاص الأمن السوري. ومن المؤكد أن هذه الأغنية لن تجد مكاناً لها، على هواء أيّ من الإذاعات أو محطات التلفزة السورية، لذلك يبقى الحل الوحيد أمام كل من يريد الاستماع إليها الدخول إلى موقع «يوتيوب» الذي رفع عنه الحجب السوري أخيراً.