في دورته الحادية عشرة، يكتسب «ارتجال» جرعة إضافية من النضج. «المهرجان الدولي للموسيقى التجريبية في لبنان» يستمدّ شرعيّته من التراكم التدريجي الذي صنعته التجارب العالمية في هذا المجال. بعد ردود فعل سلبية من الجمهور إزاء هذا الاتجاه الراديكالي، ها هي التظاهرة التي لا تنجو من حمولة نخبوية، تكرّس مكانتها محلياً وعربياً. يراهن منظمو «ارتجال 11» ــــ وهم رواد هذا التيار في لبنان ــــ على وعي الجمهور: «الموسيقى التجريبية المرتجلة لا تزال عصيّة على الفهم حتى في أوروبا والولايات المتحدة»، يقول مازن كرباج وشريكاه في تنظيم «ارتجال» شريف صحناوي ورائد ياسين.
مع ذلك، يؤكد الثلاثي: «منذ انطلاقة المهرجان، زاد عدد الجمهور أضعافاً». يتميز الحدث هذا العام بتعددية الأنماط الموسيقية بين الكلاسيكية المعاصرة، والجاز الحر، والروك، والـ power electronics، إضافةً إلى الأنماط الممتزجة (الموسيقى العربية والروك) ... ابتداءً من 5 نيسان (أبريل) الجاري، سيلتقي موسيقيون من لبنان وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وسويسرا والنرويج وكندا، على مدى أربع ليالٍ متتالية في «مسرح بيروت»، باستثناء اليوم الثالث الذي تُقام حفلاته في «مركز بيروت للفنّ». تفتتح الحفلات فرقة Dans Les Arbres التي تضمّ عازف البيانو النرويجي كريستيان والمرود، وهو من ألمع مبدعي جيله، إلى جانب عازف الكلارينيت الفرنسي كزافييه شارل، والنرويجيين إيفار غريديلاند (غيتار، وبانجو) وإنغر زاك (إيقاعات). من مواعيد اليوم الأول أيضاً، حفلة لشربل الهبر (غيتار كهربائي)، ورضوان مومنة (synthesizer، وبزق)، على أن يختتم الليلة الأولى خماسي In- Version الذي تقوده جويل خوري (بيانو)، ويضمّ هراتش قسيس (سوبرانو وتينور ساكس)، وتوم هورنينغ (باريتون وتينور ساكس)، وموريس خوري (باص)، ووليد طويل (درامز).
اليوم الثاني يُستهلّ بعزف منفرد على البيانو مع كريستيان والمرود. يليه الثلاثي يوهانس باور (ترومبون/ ألمانيا)، وتوماس لِن (analogue synthesizer)، وروجر ترنر (درامز/ بريطانيا). يُعدّ هذا الثلاثي نموذجاً للموسيقى الحرّة المرتجلة في أوروبا. وتنتهي السهرة بأمسية للثلاثي إيفار غريديلاند (غيتار، وبانجو)، وكريستيان والمرود (بيانو)، وإنغر زاك (إيقاعات).
الموعد الأوّل من الليلة الثالثة مع الكندي هاريس نيومن (صولو غيتار) الذي فرض حضوره في المشهد الموسيقي الكندي، وتميز بتقنيات مبتكرة. أمّا الموعد الثاني فمع رضوان مومنة، ومالينا سزلام (كندا)، في عرض «القدس في البال». العمل عرض أدائي، سمعي بصري، يرتكز على تيمات موسيقية لرضوان مومنة الذي خاض تجارب في الموسيقى العربية والشرق أوسطية، والروك psychédélique. لهذا، فمساهمته تمثل إضافة نوعية، وتمنح «ارتجال 11» خصوصية عربية. فرقة «موها» النرويجية، تختتم حفلات اليوم الثالث، مع أندرز هانا (غيتار كهربائي، وsynthesizer)، ومورتن ج. أولسن (درامز، وsupercollider).
الموعد الأوّل من اليوم الأخير سيكون مع الممثلة المصرية أميرة غزالة والبريطاني سيث أياز (electronics) اللذين يقدمان قصائد صوتية بعنوان «مخارج»، على أن تجمع السهرة الختامية موسيقيين لبنانيين وأجانب بعنوان ENSEMBLE 08.04، أبرزهم مازن كرباج (ترومبيت)، ورائد ياسين (كونترباص)، وفادي طبّال (غيتار كهربائي)، وشريف صحناوي (درامز)، وبايد كونكا (كلارينيت/ سويسرا)، وستيفان ريف (سوبرانو ساكس/ فرنسا)، وكزافييه شارل ...
لا يكترث منظّمو «ارتجال11» بصياغة تعريفات للموسيقى التجريبية، مع أنّ ذلك قد يسهم في جعلها رائجة وممتعة لشرائح مختلفة من المستمعين، تتخطّى حدود «النخبة». «الموسيقى التجريبية مصطلح فضفاض»، يقول رائد ياسين. بالتالي، يمكن أيّ نمط يجنح إلى التجريب أن يندرج في هذه الخانة، شرط أن يتمرّد على معايير الموسيقى الأكاديمية، ويتجاوز المفهوم الشائع للموسيقى (التناغم، والإسراف التقني والجمالي). الموسيقى التجريبية مصطلح أُطلِق في أوروبا، خلال الخمسينيّات، على الموسيقى (المتقنة) المعاصرة، والإلكترونية والملموسة concrète، و«الإلكترو ــ أكوستيك». في الستينيّات، بدأت مفاهيم الموسيقى التجريبية تتبلور مع الموسيقيين الأميركيين الأكثر راديكالية (أبرزهم جون كايج)، وقد ميّز بعض النقّاد بينهم وبين روّاد الموسيقى الأوروبية الطليعية (شتوكهاوزن، وبيار بوليز ...).
تشمل الموسيقى التجريبية تيّار المينيمالية التكرارية (فيليب غلاس)، والأنماط الموسيقية ما بعد الحداثية. أنماط مفتوحة على مسالك متعدّدة، منها الجاز الحر والتجريبي، والروك التطوري الحديث والتجريبي، انضمّت تباعاً إلى هذا التيار الذي تغذّى من الفلسفة والتيارات الفنية الاحتجاجية. أصواتٌ ناشزة ومقعرة، تصدم المتلقّي العادي والمتطلب في آن. أنواع الموسيقى التجريبية غير الشعبية واللانغمية، تبدو «قبيحة»، مقارنةً بالموسيقى المقامية والـ tonale اللتين لا تفرضان استفزازاً على الأذن. لا بدّ من تجنب الأحكام السريعة والقاطعة عند سماع الموسيقى التجريبية، فهي غالباً ما تخاطب العقل، لا القلب والأذن.



«ارتجال 11»: 8:30 مساءً، من 5 إلى 8 نيسان (أبريل) الجاري ــــ «مسرح بيروت» (عين المريسة/ 01/363328)، و«مركز بيروت للفن» BAC (جسر الواطي/ 01/397018) ــــ www.irtijal.org