«لقد أيّدتك حتّى الآن في جميع مواقفك. لكنّني أكتشف اليوم أنّك مجرّد مهووس بإسرائيل وببرنار هنري ليفي، قادر على الارتماء في غياهب اللاعقلانيّة. كنت أظنّك أذكى من ذلك. أعتقد أنّك فقدت صوابك». الرسالة الغاضبة، موجّهة إلى ديودونيه من أحد محبّيه، على المدوّنة الخاصة بهذا الكوميدي الفرنسي الذي يثير الضجّة أينما حلّ. هل ذهب هذا المرّة بعيداً في الاستفزاز، فبدأ يفقد تعاطف المربّع الأخير من جمهوره؟ ذاك الذي لحقه في معاركه الخاسرة، وكان يجد له دائماً التبربرات والأعذار، كلّما قام بواحدة من «قفزاته الانتحاريّة». ديودونيه مبالا مبالا (1966)، قرّر التوجّه إلى ليبيا لمقابلة العقيد معمّر القذّافي، والتضامن معه على أرض المعركة، ضدّ «الهجمة الإمبرياليّة» التي يتعرّض لها.

وسارع صديقنا إلى نشر صورة على مدوّنته قبل أربعة أيّام، نراه فيها أمام ملصق عملاق لـ«الأخ القائد» كتب عليه: «أهلاً بكم في الجماهيريّة العظمى». متابعو المشهد الثقافي الفرنسي في زمن الانحطاط الساركوزي، وصعود اليمين المتطرّف، وترهّل الخطاب النقدي والعقلاني الذي طالما ميّز الحياة الفكريّة في بلد فوكو، يعرفون طبعاً أن الكوميدي الشعبوي يردّ بهذه الطريقة على بليد آخر، هو برنار هنري ليفي. الوكيل الرسمي والحصري للفكر الإنسانوي الفرنسي على كل الجبهات، زار بنغازي أخيراً لتفقّد الثوّار، والبدء بالمتاجرة بقضيّتهم، كما فعل في أماكن مختلفة من العالم أشهرها ساراييفو. فما كان من ديودونيه إلا أن سافر، نكاية فيه، إلى طرابلس الغرب، لنصرة «ملكه الأفريقي» الذي يتعرّض لهجمة استعماريّة ... ضارباً عرض الحائط بدماء الشعوب العربيّة الساعية الى التخلص من الطغيان.
الممثّل الخلاسي الأسمر البشرة، الكبير القامة، يعيش عقدة اضطهاد، بدأت على أثر معركة عادلة ضدّ الإرهاب الذي يطول، في فرنسا اليوم، أي نقد لإسرائيل في الفضاء العام. ويواصل ديودونيه معاركه تحت راية نصرة أفريقيا والعرب، مدرجاً مواقفه في خانة النضال ضدّ العنصريّة والإرهاب الإسرائيلي والاستعمار. لكن الزخم النضالي أخذه بعيداً: إلى أحضان جان ماري لوبين، والمؤرّخ التحريفي فوريسون الذي ينكر المحرقة، وغير ذلك من تجليات اللاساميّة المقيتة. لقد اختار الانتقام السهل، فذهب إلى سلوك سياسي وأخلاقي مشبوه، لا يخدم العرب ولا قضاياهم العادلة. وبدأ رحلة انحداره الطويلة وصولاً إلى باب العزيزيّة ... دليل جديد على أن مسيو ديودونيه، بغضّ النظر عن موهبته وشعاراته، لم يعد صديق العرب منذ زمن بعيد!

http://dieudoblog.tumblr.com/post/4136853870/en-libye-aujourdhui#