دمشق | لم تعد إطلالة المسؤولين الحكوميين السوريين ضرورية بعد الآن على القنوات التلفزيونية. باتت عباراتهم وتعليقاتهم مكررة ومحفوظة،
كأنها تصدر عن فم واحد. وطبعاً يمكن ملاحظة المفارقات الكبيرة في هذا الخطاب الذي لا يأخذ في الاعتبار خطورة الموقف الذي تعيشه البلاد، والتسارع الكبير للأحداث. وهي التطورات التي تفرض اللحاق بركب الشارع السوري، وتقديم خطاب أكثر جدية وواقعية وإقناعاً.
هكذا أطلّت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان على قناة «بي. بي. سي. عربي»، إحدى أبرز القنوات التي اتهمها بعض المسؤولين الإعلاميين السوريين بالعمالة. وحالما سألها المحاور عن الخطوة التي اتخذها النظام بالإفراج عن 260 من معتقلي الرأي، والناشطين في مجال حقوق الإنسان، أعربت عن استغرابها من هذا الرقم، قائلةً: «لا علم لي بخلفية الخبر، ولست متأكدة من صحة الرقم. وهل يوجد في سوريا، كلّ هذا العدد من المعتقلين السياسيين؟». حمد السوريون الله، لأن الإعلامي لم يسألها عن عدد الشباب الذين اعتقلوا في التظاهرات الأخيرة، ويفوق هذا الرقم بمرات، منهم من أفرج عنه ليوم واحد فقط، وأعيد اعتقاله مجدداً، ومنهم من لم يعرف مصيره حتى الآن!
موقف وزير الإعلام محسن بلال بدا أكثر تعنّتاً. أكد الرجل مرات ومرات أنه «لا وجود لتظاهرات معارِضة ... وكل ما يعرض على الفضائيات كذب وتلفيق يهدف إلى إثارة الفتنة والنعرات الطائفية في سوريا». الكلام نفسه كرّره رئيس تحرير جريدة «الثورة» مصطفى المقداد. هنا بدا الوضع طريفاً: في وقت كان فيه المقداد يؤكد على شاشة «الجزيرة» أن الهدوء والسلام يسودان مدينته ومسقط رأسه أي محافظة درعا (جنوب دمشق)، كان الجزء الثاني من الشاشة يعرض مشاهد إطلاق رصاص حي على متظاهرين سلميين في قرية الصنمين التابعة للمحافظة نفسها!
أما رئيس «اتحاد الصحافيين السوريين» إلياس مراد، فلم يكتف بنفي كل ما تعرضه الفضائيات العربية والغربية، بل اتهمها «بتزييف هذه المشاهد وفبركتها» مع أنه كما قال إنّه لم يغادر منزله لأيام! ورغم أنّ كل هذه المفارقات تبدو مستغربة للكثيرين، علت أصوات، تصف الإعلام السوري بــ«الإعلام الوطني» بعدما أكدت وسائله المختلفة، «صحة نظرية المؤامرة التي يقودها بندر بن سلطان وجهات مشبوهة أخرى تهدف إلى تدمير سوريا». كل ذلك بحسب وثائق كشفها موقع «فيلكا إسرائيل» الذي يفتقر إلى الحد الأدنى من الصدقية، وغالباً ما ينشر تحقيقات وشائعات لا أساس لها من الصحة. وقد نقلت مواقع سورية عدة هذه الخطة، حتى تحولت إلى حديث الساعة في وسائل الإعلام وبين المواطنين.
وفي ظل كل القراءات المختلفة لواقع الإعلام السوري الذي يفترض أنّه سيكون رأس خريطة الإصلاحات المرتقبة من خلال قانون إعلام جديد، طالب مدير «المركز الدولي للإعلام والدراسات الدولية» في بيروت رفيق نصر الله عبر «الفضائية السورية» بـ«ضرورة تطوير الإعلام السوري الرسمي بشكل يتناسب مع ظروف المرحلة الصعبة ...». ولعلّ الخطوة الأولى لهذا التطوير قد تبدأ باستقبال رموز وشخصيات المعارضة الذين لم يأخذ التلفزيون الرسمي برأيهم في ما يحدث ولا حتى تلقّى ولو مداخلة هاتفيّة منهم!