اختُتم مهرجان «شاشات الواقع» في بيروت مساء الأحد، بتحيّة خاصة إلى عمر أميرلاي، صادفت أربعين المخرج السوري البارز. قبل عرض فيلمه مع الراحل سعد الله ونّوس «هناك أشياء كثيرة كان يمكن أن يتحدّث عنها المرء»، وبالتواتر مع مقتطفات من أفلامه، على وقع هدير الشارع السوري الهاتف بالحريّة، غنّت نعمى عمران، وتحدّث أخوه عصمت، وشركاؤه وأصدقاؤه الأقرب: هالة العبد الله، ومحمد ملص (غيابياً)، وعروة نيربيّة، وأسامة محمد، وفواز طرابلسي الذي ننشر في ما يأتي شهادته: مناسبة لقائنا معاً هذه الليلة لا تحتاج إلى كلمات. عمر أميرلاي لا يتعاطى بالكلمات، فحريّ بنا أن نجاريه. مشهد داخلي: جمهور سينما في بيروت ينتظر عرض فيلم لعمر أميرلاي بعنوان «طوفان في بلاد البعث».

مشهد خارجي: جماهير سورية في درعا، وأمّ الصنمين، ودمشق، وحماه، وحلب، وحمص، وجبلة، واللاذقية

، وغيرها تمثّل فيلماً بعنوان «طوفان في بلاد البعث».
هذا هو السيناريو الأخير لعمر أميرلاي. قطّر فيه عمر كل موهبته وسخريته، وحوّله إلى مقلب من أبرع مقالبه: الفيلم ليس فيلماً، والسينما ليست سينما.
رأى عمر أميرلاي السدّ يتشقّق. ليس السد الصغير الذي تشقّق فعلاً وأوقع الضحايا في قرى سورية قبل سنوات. ولا السدّ الكبير على نهر الفرات وقد طمرت مياهه قرى وآثاراً وتراثاً. ولا المشاهد مجرد مشاهد لغرائب قرية تختزل نظاماً سياسياً اجتماعياً ثقافياً برمّته: من المنزل العشائري إلى كومبيوترات ما بعد الحداثة مركونة في صناديقها في زاوية الغرفة، ومن شيخ العشيرة الذي يصدف أنّه أقدم نائب في البرلمان السوري إلى المدرّس الحزبي يضبط التلامذة، خلف القضبان، على إيقاعات الأناشيد العسكرية. والمدرّس هو من يفضح قصة السدّ: النهر يعلّم التلامذة، عنصرٌ من عناصر الطبيعة، إذاً النهر وحشي. يجب ترويض النهر. تجب السيطرة عليه لتمدينه. هذا هو دور السدّ. وتلك هي حداثوية الطليعة.
رأى عمر أميرلاي السدّ يتشقق، والمياه تتسرّب منه. وسمع الشعب يقول: أنا النهر، وما من سدّ يستطيع حبس غضبي وحريتي وتقدّمي. رأى السدّ يتشقّق وأخذ يبشّر بمجيء الطوفان. الطوفان يدمّر السدود. الطوفان يجرف أركان الظلم والقهر والاستغلال والفساد. الطوفان يغسل الأرض والبشر. الطوفان يعيد الجميع إلى البراءة الأولى. الطوفان يعيد البداية.
إلى الطوفان يا عمر! صديقي ويا أميري القرمطي الجميل.
ما أبهى الطوفان تهلّ مياهه الأولى علينا من المحيط إلى الخليج، ومن البحر العربي إلى الأبيض المتوسط!
أعرف أنك لست تحبّ المديح، ولا تستسيغ البلاغة مليئة أو فارغة. لكن:
ما أوجع ألّا تكون بيننا نشارك معاً «الطوفان في بلاد البعث»!
ما أوجع ألّا تكون بيننا نشارك معاً «الطوفان في بلاد العرب»!
* كاتب ومفكّر لبناني