إذا أردتم رؤية أدونيس بين الغيوم، أو يمشي في النار ولا تحرقه، وبين الأمواج المتلاطمة ولا يتبلل، فعليكم بما سُمّي «الديوان الضوئي الأوّل» الذي وُزّع قي dvd مع العدد السابق لمجلة «دبي الثقافية». ليس كرهاً للتجربة التي كتبها وأخرجها السوري فداء الغضبان، بل لتكون هناك محاولات نقدية وإعلامية لجعل هذه التجربة البسيطة الحدث الأبرز في الثقافة البصرية العربية وربما العالمية، فهنا تكمن المشكلة.
من يقرأ بعض الدراسات التي كتبت عن التجربة التي حملت عنوان «أدونيس: سياسة الضوء»، سيشعر أنّه ماض إلى مشاهدة مشروع بصري ريادي لم يصل إليه مخرج من قبل. وسينتابه شعور بأنّ الفن العربي ينقسم الآن إلى مرحلتين: ما قبل «سياسة الضوء» وما بعدها... مثل الثورة التونسية!
ليس في الأمر أدنى محاولة للتقليل من جهد أي مبدع عربي. لكن أن تتكرر عبارة «غير المسبوقة» عشرات المرّات، يعني أنّ من كتب لم يزر في حياته المكتبات التي باتت تكتظّ بالدواوين الضوئية، والأعمال الروائية المسموعة، والدواوين المصوّرة. وعلى أي حال، سنرتضي بأنّ هذه التجربة غير مسبوقة، لكن لنتساءل: أين تكمن الأهمية البصرية لـ«سياسة الضوء»؟ أين هو «التجريب»، والـ«فيديو آرت» في تلك التوليفات البصرية التي تذكّرنا بالتجارب العربية الأولى للفيديو كليب؟
هل رؤية أدونيس واقفاً بين الغيوم تجريبٌ؟ هل خلط قصائد أدونيس ببعض تجاربه التشكيلية ونار مشتعلة، ثم وضعنا أمام تلاطم الموج، والانتقال بنا إلى الفضاء، يعني اختراعاً بصرياً غير مسبوق؟ هل الموسيقى المستخدمة التي تذكّرنا بالبرامج الإذاعية الرومانسية بعد منتصف الليل تجريب؟ ماذا لو وضعنا شاعراً آخر مكان أدونيس، ماذا كان سيحدث؟ هل كان العمل ليحظى بكل هذا التنظير، لولا الاختباء خلف قامة أدونيس الذي يبدو هنا شفيعاً ومنقذاً؟ أجمل ما في هذه التجربة أن تغمض عينيك وتسمع شعر أدونيس. هنا يدفعنا الفضول إلى التساؤل عن رأي أدونيس بهذه التجربة؟ لا أدري، لكن إذا كان صاحب «أغاني مهيار الدمشقي» بفكره الريادي وكل ما يعنيه في وجداننا وثقافتنا مقتنعاً حقاً بهذه الخلطة البصرية «غير المسبوقة»، فهذه مشكلة أكبر بكثير من التجربة بحدّ ذاتها.
كان الأمر ليمرّ طبيعياً لو بقيت هذه التجربة في سياقها البسيط والعادي وبوصفها محاولة لتقديم شعر أدونيس برؤية بصرية، أو بوصفها الجانب العملي لرسالة دكتوراه أعدّها الغضبان عن أدونيس. لكن أن يكون الحديث عنها على أنها تجربة «ريادية وغير مسبوقة عالمياً»، وفقاً لمصادر نسبت هذا الكلام إلى أدونيس، فهذا استخفاف صريح بعقل القارئ. لنسمع مثلاً هذا المقطع عن التجربة: «هي في الجانب التطبيقي تمثل المتحرك الإبداعي الشعري ـــــ في تفاعله الخلّاق مع ثورة الوسائط الرقمية الحديثة ـــــ في بحيرة الثبات المعلوماتي الثقافي السائد». وأيضاً: «هو شكل فيلمي ينتمي إلى الفضاءات التجريبية للفيديو آرت وعوالمه الجديدة، من خلال اعتماد اقتراحات فيلمية غير مسبوقة فيلمياً، وغير مسبوقة مع أي شاعر عالمياً». على هذا المنوال، يمكننا عرض الكثير من من المقاطع التي تصل حد التعقيد الذي يصعب فهمه، وخصوصاً حين مقارنتها بالمادة البصرية.
التناول الإعلامي لهذه التجارب ـــــ مع احترامنا لها ـــــ يطرح مأزقاً حقيقياً متعلقاً بالصدقية والأمانة المهنية والنقدية التي باتت محكومة بسلسلة من العلاقات والتنفيعات. ويظل المتضرر الحقيقي هو القارئ الذي قد تنطلي عليه هذه الولائم النقدية القادرة على تحويل «الفسيخ إلى شربات» كما يقال في العامية المصرية. كان يمكن تقبل «سياسة الضوء»، على أنّه «سي دي» صوتي وبصري لبعض قصائد شاعر كبير. وربما كنا استمتعنا بالشعر وتغاضينا عن المأزق البصري في العمل، لكن أن يصار إلى التطبيل على هذا النحو، فهنا يكمن الخلل الذي يطيح التجربة من أساسها.
2 تعليق
التعليقات
-
درامية الضوء.. سيرة المعنىدرامية الضوء.. سيرة المعنى http://www.jehat.com/Jehaat/ar/DaftarAfkar/14-4-11.htm و http://www.addustour.com/viewtopic.aspx?ac=\Supplement2\2011\04\Supplement2_issue1266_day01_id315234.htm#.TniPSWOrAYQ لقد تحدى «فداء الغضبان» وفريق عمله، المألوف في عالم الصوت والصورة، وما أنتجته «الميديا»، بأسلوب فني اختلطت فيه الرومانسية والتجريدية والرمزية والخرافية والأسطورية، لأنها ساهمت في إنجاز عناصر مختلفة، أهمها الانسجام بين دلالة الكلمة وروحها مع الذات الشاعرة والخلفية اللونية المتحركة وإيحاءاتها، والموسيقى ومرسوماتها التشكيلية الواضحة والغائبة في آن معاً. فكيف أتى هذا الديوان: «سياسة الضوء» الصادر بالتعاون مع مجلة دبي الثقافية؟ وهل وصل فيه البطل الأساسي، الذي هو مزيج من:»أدونيس» و»شعره» و»رسوماته» إلى ذاك الحلم؟ من يتابع الشريط المضغوط، يكتشف بأن هناك عوامل عديدة، تضافرت في تكوين اللوحات المقطعية المتقطعة «التراكات»: ـ القصيدة. ـ الإلقاء. ـ حركة عناصر المشهد. ـ الموسيقى. ـ الألوان. ـ الرقيمات التشكيلية. ـ الحالة النفسية للظل والضوء واللون، للذاكرة، ومفردات الحلم، ورغبات اللا وعي، وتوقعات المخيلة. وشابك هذه العوامل الأساسية، المكونة للوحدات الصغرى( السيناريو : كوحدة كبرى) تفرعت إلى: - سيناريو الحدث - سيناريو الزمكانية - سيناريو العناصر - سيناريو الألوان - سيناريو الموسيقى - وما يموج بينها من سيناريو للصمت المتحرك. واضح أن مبتغى العمل، ليس شرح المنتوج الإبداعي الأدونيسي، فقط، وجعله أكثر قرباً من المتلقين على اختلاف درجات التلقي، بل، تقديم هذه التجربة، على أنها مغامرة فنية، أرادت أن تجعل من الضوء لغة متشعبة إلى مسموعة ومرئية ومقروءة وممثـَّـلة أيضاً.
-
أدونيس سياسة الضوءعاكف عمر || الأردن اولاً يرجى الإطلاع على: http://www.al-akhbar.com/node/1592 http://www.jehat.com/Jehaat/ar/AljehaAhkhamesa /10-4-11.htm ثانياً : نعم ...وللحق ... إن هذه التجربة الفيلمية الرقمية ( أدونيس ... سياسة الضوء ) فتحت أفقاً جمالياً جديداً وغير مسبوق – على مستوى علاقة الأدب بالتكنولوجيا ؛بما يتعلق بكيفية تلقي القصيدة الشعرية - في فضاء الإعلام الثقافي ، هو أفق : ( القصيدة الضوئية ) التي هي بمثابة ( الجينات الجديدة للشعر) كما يصفها الكاتب ( باسم سليمان ) وهي بمثابة ( نصٍ آخر لنص أدونيس ) كما تؤكد الناقدة (غالية خوجة ) ؛ حيث :" استطاع، وببراعة، فداء الغضبان، أن يكتب نصاً آخر لنص أدونيس، معتمداً على اللحظة البارقة بالمعنى، واللون، وما يتراوح بين الضوء والظلال،" وهو ما يتكامل مع ما كتبه الكاتب والروائي خليل صويلح في صحيفة الأخبار اللبنانية ، حيث أن َّالقصيدة الضوئية بعد ذلك ،" تسعى إلى كشف ألغاز القصيدة وتحولاتها،" و" تسعى إلى تأويل النص على نحوٍ آخر. من خلال إشارات دلالية " كما يقول مؤكداً : " ينطوي ( العمل) على أطروحات جمالية في تفكيك النص الأدونيسي، ومعالجة الغموض الذي يَسِم شعره. كلّ ذلك من خلال مفردات بصرية تسعى إلى كشف ألغاز القصيدة وتحولاتها، من خلال مقاطع تنتمي إلى مراحل مختلفة ممتدة من «أغاني مهيار الدمشقي»، مروراً بـ«كتاب الهجرة والمطابقات»، و«أول الجسد آخر البحر» إلى «أمس المكان الآن». ... وإذا باللون يتحوّل إلى بوصلة تقود خطوات الشاعر إلى فضاءات أرحب في «رفع الحجاب عن نور المعنى»، وفقاً لما يقوله طلال معلا."