«الثوار يواجهون قوات القذافي في بنغازي»، «معارك حامية على جبهة راس لانوف»، «أنباء عن سقوط آلاف القتلى من صفوف الثوار في الزاوية»... لا تبدو الأخبار الواردة من ليبيا شبيهة بتلك التي اعتدناها خلال ثورتَي تونس ومصر. هنا، تختلف الصورة لتتخذ المواجهات شكلاً أكثر دمويةً وخطورةً، لكن جنون معمر القذافي ليس النسخة الكاملة للقصة. صورة الثورة الليبية أو «ثورة 17 فبراير» لا تكتمل من دون حكايات الثوار الذي قرروا الانتفاض على عقود من الطغيان، فدفعوا الثمن أعداداً كبيرة من الشهداء والجرحى.
أوغاريت دندش (قناة «الجديد»)، وجمال الغربي (صحيفة «البناء»)، وجوزفين ديب (otv) ثلاثة مراسلين لبنانيين اختاروا الذهاب إلى ليبيا، بحثاً عن الوجه الآخر للثورة. من الحدود المصرية، دخل الثلاثة الأراضي الليبية، لتبدأ رحلتهم من طبرق إلى بنغازي. «يختلف ما شاهدناه هناك عن الصورة التي كنا نتوقعها» تقول جوزفين ديب. الثوار رحبوا بالصحافيين، وخصوصاً العرب منهم «حتى إنهم رفضوا أن نبيت في الفندق وأصروا على استضافتنا في منازلهم». تستعيد المراسلة الشابة بعض الأفكار المسبقة التي كوّنتها عن الشعب الليبي، لتعود وتقول «كان الليبيون بالنسبة إليّ شعباً بعيداً، ولا علاقة تربطني به، لكن في بنغازي، اكتشفت العكس... حتى إنه يمكنني القول إنّ الليبيين عاملونا أفضل مما فعل المصريون». لم تقض ديب وقتاً طويلاً في ليبيا، لكن 30 ساعة كانت كافية كي تصوّر بكاميرتها الخاصة مجموعة من التقارير عن إجرام القذافي، وعن عزم الثوار على إكمال كفاحهم «كانوا يقولون لي إنهم يعلمون أنهم ذاهبون إلى موتهم، لكن الموت بنظرهم أفضل من العيش تحت رحمة القذافي مجدداً».
بعد بنغازي، اختارت ديب العودة إلى مصر ومنها إلى لبنان. أما جمال الغربي، وأوغاريت دندش فأكملا طريقهما باتجاه الجبهة... وتحديداً راس لانوف. قضى المراسلان اللبنانيان ستة أيام في ليبيا، وصوّرا أيضاً بكاميراتهما الشخصية المواجهات العنيفة التي شهدتها المناطق التي زاراها. وقد يكون القاسم المشترك بين الاثنين هو الخلفية السياسية التي لا ينفيان أهميتها أثناء تغطية الثورة، «اتجهنا مع الثوار إلى راس لانوف بهدف التغطية الصحافية، لكن أيضاً كي نسجّل موقفاً سياسياً متضامناً معهم» يشرح الغربي. يتحدّث هذا الأخير بحماسة عن إصرار الثوار على إكمال نضالهم «من دون أن تثنيهم الدماء التي سالت، ولا ترهيب القذافي». ورداً على كل من يتّهم شباب الشعب الليبي بالبحث عن مكاسب مادية، يقول إنّ «المطلب الوحيد لهم هو الحرية». مطلب ظنّ الغربي لسنوات أنه غاب عن بال الليبيين «وخصوصاً أنني احتككت بشباب من ليبيا في أوقات سابقة، لكن هؤلاء كانوا من جماعة القذافي، وكانوا يروّجون لصورة خاطئة عن بلادهم وشعبهم». توافق أوغاريت دندش على ذلك، فتقول إنها اعتذرت للثوار وهي في راس لانوف لأنها كوّنت فكرة سيئة عنهم، «نتيجة البروباغندا التي كان رجال القذافي يروّجون لها». تبدو دندش الأكثر حماسة للعودة إلى ليبيا «ربما في سفينة بحرية تستعد لنقل المساعدات إلى هناك». تروي مراسلة قناة «الجديد» بالتفاصيل رحلتها إلى منطقة راس لانوف: من مرافقة الثوار في سيارتهم، وصولاً إلى سماع دوي الانفجارات، ومشاهدة أبينة ومراكز تتهدّم، مروراً بمعاملة الثوار «الرائعة» كما تقول. تدرك دندش أن تجربتها في ليبيا كانت نقطة تحوّل في مسيرتها «تركت جزءاً مني في راس لانوف، وبتّ أتابع أخبار الثورة كأنني أتابع حدثاً محلياً في بيروت، أقلق على الثوار، وأسأل عن مصيرهم». ترفض دندش كل الاتهامات الموجهة إلى شباب الثورة، وخصوصاً بعد التدخّل الأجنبي. تقول إن هؤلاء «يعدّون كل ما هو غربي منفّراً، وكانوا يطالبون بحظر جوي عربي لا غربيّ». أوغاريت التي رافقت المقاتلين خلال معاركهم على الجبهة، تعلم جيداً أهمية الدور الذي يؤدّيه الإعلام «وهو ما يدركه الثوار أيضاً، لذلك كانوا يقولون لي: صوّري ودعي العالم يرى ما نتعرّض له».
أخيراً عاد المراسلون الثلاثة إلى لبنان، محمّلين بمجموعة تحقيقات مصوّرة ومكتوبة، وبذكريات كثيرة عن الثورة التي «أعادت أحفاد عمر المختار إلى واجهة العالم».