أوليفييه بوبينو متوتّر أمام الكاميرا. البرنامج الأكاديمي الذي يشرف عليه يتولّى «نقل مبادئ العلمانيّة... إلى أئمّة مسلمين... في معهد كاثوليكي». تلك «المفارقة» التي يبدأ بها فيلم كوثر بن هنيّة (١٩٧٧)، تختزل عظمة «الجمهوريّة» الفرنسيّة، وفي الآن نفسه أزمتها ومأزقها. ولعلّها أيضاً الوصفة السحريّة التي تبني عليها المخرجة التونسيّة فيلماً قويّاً وراهناً، أنتج وعرض في «دبي»، ويستضيفه هذا السبت «مهرجان شاشات الواقع» في بيروت. ابنة سيدي بوزيد التي عبرت في معهد الـFEMIS في باريس، استشرفت ثورة الكرامة في فيلمها الروائي القصير «مدينة الرصاص» (2007)، وتعرّضت للتقاليد والمحظورات في «أنا وأختي وذلك الشيء» (2006)... وقد اختارت لفيلمها الوثائقي الجديد عنواناً معبّراً: «الأئمّة يذهبون إلى المدرسة» (ديجيبيتا، ٧٥ د).ذات يوم تذكّرت فرنسا الإسلام، بعدما أهملته طويلاً في الغيتوهات والضواحي، حتّى كاد يصبح خارج الجمهوريّة، عرضة للاختزال والعنصريّة والإقصاء من جهة، والانغلاق والعنف من جهة أخرى. هكذا أصدرت الحكومة قراراً يقضي بالتأطير الأكاديمي للأئمة، أي بإلزاميّة تكوين هؤلاء المسؤولين عن إرشاد المسلمين في بلد فولتير ـــــ إلى جانب دراساتهم الفقهيّة والدينيّة ـــــ حسب قيَم الجمهوريّة التي يعيشون تحت جناحها في نهاية الأمر. لكن طلاباً من نوع خاص كهؤلاء، لم يقبل بهم سوى «المعهد الكاثوليكي في باريس». هناك راحوا يستمعون إلى الأساتذة يحكون لهم عن الثورة الفرنسيّة، وفصل الدين عن الدولة، والعلمانيّة ضمانةً لحريّة الفكر والمعتقد وممارسة الشعائر الدينيّة، في إطار التعدديّة وحياديّة الدولة. ولم يكن من السينمائيّة الشابة إلّا أن تبعتهم لتلتقط بكثير من الرهافة والذكاء، فصولاً من ذلك اللقاء الصعب والمشوّق... بما يشوبه أحياناً من أفكار مسبقة، أو نظرة فوقيّة يسلّطها المستعمِر السابق إلى الرعايا التي يعمل بكل إنسانويّة على «تحضيرها».
فيلم كوثر بن هنيّة عن تلك اللحظة التي يلتقي فيها الإسلام بالعلمانيّة، وعن العلاقات الشائكة، لكن الحيويّة والديناميّة، بين طرفي المعادلة. وريثة بورقيبة تدرك جيداً أن الأسئلة التي تثيرها انطلاقاً من فرنسا، إنّما ترجّع صداها مجتمعاتُنا العربيّة على اختلافها.

«الأئمّة يذهبون إلى المدرسة»: 8:00 مساء السبت 26 آذار (مارس) ــــ «متروبوليس أمبير صوفيل»