بعدما أصدر لؤي حمزة عباس روايته «الفريسة» («دار الشؤون الثقافية»، بغداد ــــ 2004)، وبعدها «كتاب المراحيض» («دار أزمنة»، عمان ــــ 2007)، استبشر العراقيون بولادة كاتب مهم مثل أستاذه الكبير محمد خضير. لكن من يطالع روايته الجديدة «مدينة الصور» الصادرة أخيراً عن «دار أزمنة»، يختلط عليه الأمر، ويفكّر كثيراً قبل أن يسميها رواية. يجمع القاص والروائي العراقي في كتابه هذا شخوصاً يصلح كل واحد منها لتكتب عنه رواية. يمكن الكاتب جمع شخصيات متناقضة تماماً في رواية واحدة، شرط أن يكون هناك رابط يجمع بين هذه الشخصيات، ولا يمس النسيج الروائي حتى لا يتوهم القارئ أنّ هناك شكلاً روائياً متعمداً. في رواية لؤي حمزة عباس هذه، نعثر على المطرب عبد الحليم حافظ إلى جوار الخميني، وعبد الكريم قاسم، ومسعود عامل في ميناء المعقل...
لكننا لا نعرف العلاقة بين كلّ هؤلاء، إلا بعد الانتهاء من الرواية.
هذا على صعيد المضمون الذي حفل بأفكار كثيرة: زيارة عبد الكريم قاسم إلى البصرة، أو تسفير الإمام الخميني إلى الكويت، أو حتى مجيء المطرب عبد الحليم حافظ للغناء في مدينة البصرة. كل هذه الأفكار تصلح لأن تكون رواية بحدِّ ذاتها إذا توافرت للكاتب معلومات ومخيلة ولغة، وهذه كلّها عند لؤي كاملة غير منقوصة. وكان بإمكانه وهو يتحدث عن فترة عصيبة مرت بالعراق مع بداية الحرب العراقية الإيرانية، أن يبني على ذلك للخوض في تجربة ما زالت شائكة وغامضة، وخصوصاً أنّ مسعود عامل قتل بصاروخ إيراني في نهاية عام 1979، أي قبل أشهر من بداية الحرب الفعلية.
كان الأجدر أن تكون «مدينة الصور» مجموعة قصصية لا رواية. يمرّ الكاتب بسرعة على زيارة عبد الحليم إلى منطقة نائية في البصرة، وعلاقة سريعة نشأت بين المطرب وموظف التطبيب الأرمني... لكنّه لا ينسج منها متناً قصصياً مختلفاً ومتيناً، ولا يوظف تلك الحبكة بطريقة خارقة، ما يجعل قراءتها متعة منقوصة.
الشعور نفسه ينسحب على سفر الخميني، العائد إلى بلاده لقيادة ثورة تقلب الدنيا شرقاً وغرباً. تمرّ الكتابة بعجالة على هذا الموضوع الشائك، ولجوء الإمام إلى صدام حسين الذي شنّ لاحقاً حرباً لن تبرد نارها بسرعة. مع ذلك، كان يمكنه أن يجعل من هذا الموضوع قصة مستقلة، كما هي حال عبد الحليم أو عبد الكريم قاسم... لكن لماذا لم يفعل ذلك وهو الكاتب المكرس؟ هذا هو السؤال المحير.