سقط نظام زين العابدين بن علي، وبقيت أروقة السجون وأقبية التعذيب تروي قصصاً عن الأسلوب الوحشي الذي اعتمده الرئيس المخلوع في قمع معارضيه: عائلة الشاب محمد سيّد الكسراوي لا تزال تبكي ابنها الذي قُتل قبل يوم واحد من فرار «بينوشيه تونس»، المعتقل الإسلامي السابق يكشف آثار التعذيب التي خلّفها رجال بن علي على جسده، أما العامل فيروي قصصاً عن طرده من عمله وهجر عائلته له؛ لأنه اتُّهِم برفع شعارات معادية للرئيس في عام 1991 بعد مشاركته في تظاهرة رافضة للحرب على العراق...
تطول لائحة الضحايا، وتطول معها أسماء الجلادين الذين كُلِّفوا تنفيذ «المهمات الوسخة» للنظام. الليلة، سنشاهد على قناة «بي بي سي عربي» الشريط الوثائقي «تونس بن علي: روايات عن تعذيب وتآمر وضمائر مأجورة» الذي يروي لنا كل هذه الفظائع في أربعين دقيقة أعدّها الصحافي عبد الرحيم الفارسي، وأشرف على تصويرها مارك بيركينز.
في 14 كانون الثاني (يناير) فرّ بن علي من تونس، وفوراً بدأت فكرة إعداد وثائقي عن سنوات حكمه تراود المسؤولين في «هيئة الإذاعة البريطانية» «وخصوصاً أن هذا الحدث كان وقتها استثنائياً في العالم العربي» يقول الفارسي في حديثه مع «الأخبار». وبعد عشرة أيام من التفكير، حزم الصحافي المغربي حقائبه وتوجّه إلى تونس، ليبدأ الإعداد لهذا الشريط الذي يأتي ضمن سلسلة «ما لا يقال» التي ستعرضها القناة البريطانية تباعاً كل أسبوعَين.
وفي مدينة القيروان، حطّ الفارسي رحاله. هناك سمع عشرات القصص عما تعرّض له المعارضون. لكنّه سمع أيضاً الوجه الآخر للقصة. تلك التي رواها الجلادون، والبلطجية، والمخبرون، ورجال البوليس السرّي... هؤلاء اختاروا الاعتراف بكل ما قاموا به، لكن بوجوه مغطاة، وأصوات مموَّهة. «بعضهم حاول تبرئة نفسه، وآخرون تحدّثوا عن اضطرارهم إلى القيام بهذه الأعمال الوحشية، وإلا دخلوا السجن» يقول الفارسي. الليلة أيضاً سنعرف كيف كانت الملفات القضائية تدار في عهد بن علي، وكيف كانت تقفل الدعاوى المرفوعة على رجال في الحزب الحاكم بتهمة التعذيب.
لكن الشريط الذي سنشاهده الليلة لم ينفّذ من دون مصاعب. بل واجه الفارسي مشكلة رئيسية هي رفض أغلب المتعاونين السابقين مع النظام التحدّث أمام الكاميرا، بل أكثر من ذلك، أبلغ هؤلاء رجال من الاستخبارات بمهمة فريق «بي بي سي» فتعرّض هذا الأخير للملاحقة والمتابعة طوال فترة وجوده في القيروان. إذاً، لا يزال النظام الأمني حاضراً في تونس؟ «البوليس، يبقى البوليس قبل الثورة وبعدها» يقول الصحافي المغربي الذي بات يملك خبرة واسعة في طريقة تعاطي الأمن التونسي مع الصحافيين، وخصوصاً بعد الشريط الذي أعدّه عام 2004 عن الإسلاميين في هذا البلد المغاربي.
ورغم رائحة الحرية التي بدأت تعبق في العالم العربي «بإمكان أي مواطن عربي أن يجد في ما سيشاهده الليلة صورة من الحياة التي يعيشها يومياً في ظل الأنظمة الأمنية التي لا تزال منتشرة في بلادنا» يختم الفارسي حديثه بأسى.

الليلة 22:00 على «بي. بي. سي. عربي» ويليه نقاش مع مجموعة من المحللين العرب