لأول وهلة، تبدو منحوتات سيمون فتال حصيلة تنقيبات أثرية أكثر من انتمائها إلى النحت المعاصر. في «أميرة صور وتحف أخرى» معرضها الحالي في بيروت (فضاء كتانة كونيغ)، تجوِّف الفنانة المقيمة في كاليفورنيا مفهوم الزمن، أو تمحوه كي ترى نفسها صانعة تماثيل طينية في العصور القديمة. لن نفاجأ إذا رأينا رُقيمات وأشكالاً بشرية تشبه تلك التي تؤرخ لأساطير وثقافة سوريا القديمة وبلاد الرافدين. المعرض ـــــ بهذا المعنى ـــــ رحلة في الزمن.
المنحوتات منجزة بتقنيات الفن القديم. تتجنب فتال أي إضافة حديثة تفسد المزاج الأساطيري لأعمالها. الممارسات التي تذكرنا بالتطورات الهائلة في فن النحت، غائبة كلياً. لا يغادر الانطباع المتحفّي خيالنا ونحن نتجول في المعرض. هناك سعي متعمد إلى صناعة هوية غابرة، سواء في أشكال المنحوتات أو في عناوينها. سبع وعشرون منحوتة، نصفها بحجم صغير، ونصفها الآخر بحجم أصغر، وأغلبها لكائنات وحيدة تتشابه بأجزائها السفلية الضخمة. الأجزاء العلوية أصغر أو متآكلة الرأس والنهدين واليدين. كأن النحاتة تبالغ في تعتيق أعمالها عبر الإيحاء بأن الزمن والعوامل الأركيولوجية هي السبب في تلفها. التآكل يسري على منحوتات غير بشرية أيضاً، كما هي حال رأس الثور ذي العينين المنخورتين والفم المبقور. الرؤوس المتآكلة عموماً تظهر خياراً نحتياً بتضخيم الجذع والساقين. كأن النحاتة تمارس نوعاً من التغريب عن الشكل البشري التقليدي، بحيث تعكس بعض المنحوتات الأنثوية المصحوبة بأبناء، وكذلك الذكورية بأعضاء تناسلية واضحة، أساطير الخصب في ماضي منطقتنا. إلى جانب ذلك، هناك أشكال أخرى: قنطور متآكل الرأس، كرسيّ بمسند واحد، وآخر أكثر فخامة بدون مسندين، نصبٌ طوطمي بثلاث قطع حجرية، جرن فخاري دُفنت فيه تماثيل صغيرة وبقايا عظمية. رُقيم بسطورٍ غائمة وممحوّة، وآخر بكلمات عربية مقروءة تمثّل انتهاكاً وحيداً لمناخات الحقب القديمة الطاغية على المعرض. تشتغل منحوتات سيمون فتال ضد الزمن الذي نعيشه. لا لأنها تنجز أعمالها بحساسية أسلافها، فهي فعلت الأمر نفسه في مجموعة مشابهة استوحتها من الكاتبة فرجينيا وولف التي بدت مجرد عنوان ملهمٍ لفنّ أقدم من زمنها بكثير. هناك نوع من الخلق في عمل فتال. كأنها تنفخ الروح في طين أسلافنا وترسلهم إلى زمننا.

«أميرة صور وتحف أخرى»: حتى 7 نيسان (أبريل) المقبل ـــ «فضاء كتانة كونيغ» (جفينور/ بيروت). للاستعلام: 01/738706