«التعصّب بيعميك... إيمانك بيغنيك»، قد يكون عنوان الحملة التي أطلقتها مؤسسة «أديان» معبّراً ومناسباً جداً في ظلّ الأوضاع المتوتّرة التي يعيشها لبنان والمنطقة حالياً. ولعل ما قاله رئيس المؤسسة الأب فادي ضو، قبل عرض شريط «عكس السير» للمخرجة ميشال تيان، دليل واضح على خطر الطائفية، إذ وصف التعصّب بأنّه «خطر أدهى ما فيه أنه خفي غير مباشر». وقد جاء كلام ضو بعد عرض شريط «عكس السير» (40 دقيقة) في قصر الـ«أونيسكو» أخيراً بحضور ممثلين للرئاسات الثلاث وشخصيات روحية.
ولم يتردّد فادي ضو في توجيه تحية إلى الشباب الذين يطالبون بإسقاط النظام الطائفي، داعياً إلى تحديد لائحة بأسماء الأشخاص الواجب إسقاطهم في الدولة، ومطالباً بثورة ثقاقيّة تقضي بأن «يخلع كل منا ثوب الطائفية وما يحمله من خوف وتعصب وتقوقع». ومع انتهاء ضو من كلمته، عُرض الشريط الوثائقي الذي صوّر حياة أربعة رجال دين دعوا خلال مسيرتهم إلى الانفتاح على الطوائف الأخرى وهم: الأمير عبد القادر الجزائري (1808 ـــــ 1883) الذي حمى المسيحيين في دمشق خلال الحرب الطائفية عام 1860، والمطران سليم غزال الذي اختار المكوث في الجنوب رغم تهجير المسيحيين، محاولاً إعادة اللحمة بين أبناء المنطقة. ثم الإمام موسى الصدر، حيث سلّط الشريط الضوء على إضرابه عن الطعام داخل أحد المساجد احتجاجاً على المعارك الحاصلة ضد أبناء بلدات مسيحية كدير الأحمر والقاع في البقاع اللبناني. وأخيراً شاهدنا قصة الخوري مكرم قزح (الصورة)، وهو الكاهن الماروني ابن بكفيا، الذي نشط في منطقتي النبعة والكرنتينا خلال ستينيات، وسبعينيات القرن الماضي، ساعياً إلى تحسين شروط الحياة في المنطقة. ومع انتهاء عرض الفيلم، قدّم قزح شهادة مباشرة عن تجربته. ليتسلّم بعدها «جائزة أديان للتضامن الروحي لعام 2011»، وقد أهداها بدوره الى «كل من ناضل ومات خلال الحرب وجهد في إيصال هذه الرسالة السامية». كذلك تخللت الوثائقي شهادات حيّة عن تجارب رجال الدين الأربعة على ألسنة معارفهم ومقربين منهم، مثل رباب الصدر، شقيقة الإمام موسى الصدر.
من جهته، أثنى وزير الداخلية زياد بارود، الذي حضر العرض، على ما وصفه بالمشهد الموزاييكي، مشيراً إلى أنه «مشهد لبناني إنساني رائع. إذا أحسنّا إدارة الاختلاف، فالأديان هي واحدة...». ووصف الشريط بأنه «جزء من ذاكرة البلد المغيّبة، كما الإمام الصدر... ذاكرة البلد التي يخشى عليها المطران غزال من جيل لم يتوارثها. وهي ذاكرة البلد التي لو أخبرها الأب قزح، لكانت ضمير وذاكرة منطقة، تشهد صراعات مذهبيّة وسقوط أنظمة... حبّذا لو كثر فيها أمراء كعبد القادر الجزائري». وخلص إلى القول: «إذا كان «عكس السير» هو أن تسير كما سار هؤلاء الكبار، فستكون المرة الأولى التي تسمعون فيها وزيراً للداخلية يدعو إلى معاكسة السير».