في الذكرى السادسة لانطلاق «ثورة الأرز»، لم تجد قوى «14 آذار» وسيلة لشحذ همة جمهورها سوى اللعب على وتر الشعارات الرنانة و... الصورة الخادعة: من حملتها الإعلانية المصوّبة بدقة ضد سلاح «حزب الله»، وصولاً إلى مهرجان ساحة الشهداء يوم أمس، مروراً بالخطابات التي ألقاها قياديو هذا الفريق خلال جولات التعبئة في المناطق.هكذا في وقت تزيّنت فيه شاشة «أخبار المستقبل» في الأيام الماضية بالكليبات، والشعارات التحريضية، أطلّت علينا أمس سحر الخطيب ــــ الإعلامية نفسها التي شاهدناها خلال أحداث 7 أيار (مايو) 2008 تجاهر بأنها أصبحت طائفية ــــ من وسط بيروت لتحدّثنا عن سياسة اليد الممدودة، وعن رفض منطق الإلغاء وضرورة احترام الرأي الآخر. وفي وقت لم توفّر فيه المحطة ومعها حليفتها mtv أي وسيلة للتجييش ضدّ «حزب الله» (أكثرها استفزازاً حلقة برنامج «تحقيق» مع كلود أبو ناضر هندي التي عرضت ليلة أول من أمس)، انتشرت في ساحة المهرجان لافتات تطالب بالعيش المشترك وبسيادة دولة القانون، ورفض منطق التخوين...
وفي محاولة لدرء تهمة الطائفية عن هذا التحرّك، رفعت في زوايا «ساحة الحرية» (كما يحلو لـ mtv تسميتها) أقوال لموسى الصدر، ومحمد حسين فضل الله ومحمد مهدي شمس الدين وكمال جنبلاط... طبعاً إلى جانب صورة عملاقة لملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز، أصرّت كاميرا «أخبار المستقبل» على إظهارها كل عشر دقائق.
إذاً، حاول منظّمو المهرجان، ومعهم وسائل إعلام هذا الفريق السياسي، تفادي الأخطاء التي وقعوا فيها في السنوات السابقة، وإن بدا الجميع مسكوناً بهاجسٍ واحد: هل يصل عدد المشاركين إلى ما كان عليه عام 2005؟ ورغم أن الجواب بدا واضحاً، إلا أن دنيز رحمة فخري (mtv)، وشربل عبود (أخبار المستقبل) كانا مصرّين على أن العدد يكاد يكون هو نفسه «وهناك مئات الآلاف ما زالوا يتوافدون إلى الساحة». وفي محاولة مشابهة لتزوير الصورة التي ظهرت واضحة على الشاشات، كرّر مراسلو «أخبار المستقبل» في الساحة أن «العلم اللبناني يكاد يكون العلم الوحيد المرفوع». أما أعلام السعودية و«تيار المسقبل» و«القوات»، و«الكتائب»، فلم ينتبه لها هؤلاء.
ومع بدء إلقاء الكلمات، توحّدت أغلب الشاشات (حتى otv و«الجديد»، وlbc)، وإن لم تتوحّد مصطلحات السياسيين: فارس سعيد يعلن انطلاق «انتفاضة الكرامة»، ليردّ عليه سمير جعجع مؤكداً أن المهرجان هو بداية «ثورة الأرز 2»... لتصل التغطية إلى ذروتها مع بدء سعد الحريري خلع ربطة عنقه، وسترته، في صورة ستكون من دون شك العلامة الفارقة لهذا اليوم. ولعلّها بمسرحيتها وكاريكاتوريّتها تبقى الصورة الأكثر أمانة في اختصار «ثورة 14 آذار»! سمعنا الحريري يصرخ، ويسأل، والجمهور يجيبه، لتختفي فجأة صورة اليد الممدودة، ويحلّ مكانها، ومن جديد مشهد آخر، لزعيم لم يستوعب بعد أنّه لم يعد رئيساً للحكومة. صوّب «الشيخ سعد» تصويباً مباشراً على الحكومة المزمع تأليفها برئاسة نجيب ميقاتي، قائلاً إنها «حكومة شُكِّلت تحت وصاية السلاح»، وإنها «حكومة مهمتها إلغاء علاقة لبنان بالمحكمة الدولية» ... وغيرها من الاتهامات.
إنّها الصورة المخادعة، تخفي خطاباً سياسياً فاجراً، نقلت إلينا مباشرة يوم أمس من ساحة الشهداء... لكن في الذكرى السادسة للثورة، لم تعد الشعارات الرنانة تغري الكثيرين، وإن أصرّ (بعض) الإعلام على عكس ذلك.