بات الحديث عن حق المرأة في العمل أو عن رفض كل أشكال العنف الذي تتعرّض له، من الثوابت والبديهيّات لدى تناول فكر المرجع الراحل السيّد محمد حسين فضل الله عن المرأة، لكنّ الحلقة الحوارية التي شهدتها بيروت، على مدى يومين، تحت عنوان عريض هو: «المرأة في فكر ورؤية المرجع محمد حسين فضل الله» جاءت بإضافات نوعيّة مختلفة. فقد سلّطت المداخلات المختلفة الضوء على مقاربة إسلامية تجديدية تطاول علاقة المرأة بمختلف نواحي المجتمع، داخل بيتها وخارجه. فهي وإن خضعت لقوامة الرجل الإنفاقية داخل البيت، يمكن أن تكون مسؤولة عن ملايين الرجال، ضمن موقعها داخل النظام السياسي للدولة. هذا هو المدخل الأساسي للّقاء الفكري الذي اختُتم أمس، وقد نظّمته «مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر»، بالاشتراك مع الهيئة النسائية في «جمعية المبرات الخيرية»... وفقاً للرؤية التجديدية لفضل الله، يمكن المرأة أن تكون رئيسة البلاد، وقاضية، ومفتية، وحتى رئيسة جهاز الاستخبارات في الدولة. يخرج المتابع لأفكار فضل الله المتعلقة بالمرأة بما يلي: الذكورة ليست معياراً في تسلّم المسؤولية، والقول المنسوب إلى الدين «ما أفلح قوم ولّوا أمورهم لامرأة»، هو قول ذو سند ضعيف، ويتعارض مع النصوص القرآنية. المرأة والرجل متكافئان، متساويان في كل الأمور ذات الطابع العام، واختلافهما في بعض الخصائص، لا يعطي إشارات واضحة إلى أن الإسلام أقرّ بتفوّق الذكر على الأنثى.
كان حضور الرجال قليلاً خلال الجلسات. حملت المداخلات، التي قدّمتها شخصيات بارزة من لبنان والعالم العربي، تحليلات مكثفة وواضحة المعالم عن رؤية فضل الله لدور المرأة. فهو يؤكد أنّ «الرجل ليس رأس المرأة، بل شريكها في الإنسانية في كل مواقع الحياة» كما ينقل الباحث نجيب نور الدين، الذي ركز على ما كان يردّده فضل الله مراراً أمام النساء: «عليكن أن تناضلن من أجل حقوقهن، لأن القيد الذكوري سيبقى حاضراً في نظرة الرجل إلى المرأة، حتى لو كان من يشرّع لها مشهوداً له بالقدرة على التشريع». وتوقّف راعي الندوة الوزير عدنان السيد حسين عند فكر فضل الله الذي قام على «مساواة المرأة مع الرجل عقلياً وعاطفياً».
من جهتها، ناقشت الباحثة أماني كبارة شعراني أفكار العلامة الراحل وفق ثلاثة محاور: قيمة المرأة كإنسان، والمساواة بينها وبين الرجل، وحرية المرأة. جاءت مطالعة الأكاديمية الكويتية خديجة المحيمد لافتة، إذ إنّها لم تكتف بمعالجة انفتاح فضل الله ـــــ انطلاقاً من خلفيته الإسلامية ـــــ على مشاركة المرأة وموقعها في النظام السياسي فحسب، بل توقفت عند انغلاق المؤسسة الدينيّة التشريعية على الإعلان صراحةً بما يقرّه الإسلام للمرأة.
أوردت المحيمد أنّ «معظم الذين سألناهم عن موضوع المرأة في النظام السياسي الإسلامي، أحجموا عن الإجابة وصارحونا بالسبب: الخوف من أن لا تتقبل القواعد الشعبية فتاوى جريئة». إذاً، يبدو فضل الله متمرداً على الموروث الاجتماعي وسطوته على فتاوى المرأة. يظهر ذلك جلياً في ما نسبته المحيمد إلى فضل الله من «تهديم أعمدة الأحاديث التي يستندون إليها في منع المرأة عن المسؤولية السياسية والاجتماعية».
ورأت الأستاذة والمترجمة دلال عباس أنّ تجديد الفكر الديني ودور فضل الله فيه «جعلا المرأة تكتشف أنّ الدين طريق إلى التقدم في الحياة وضمان لحقوقها، وحماية لكرامتها وصيانة لعفتها». وبالتالي، فهو يمثّل ـــــ بالمعيار الفكري والسوسيولوجي ـــــ انتقالاً من الرد على «الشبهة التي ألقاها الغرب والعلمانيون العرب على موقف الإسلام من المرأة، إلى محاولة بلورة صيغة ترتكز على الأصول الإسلامية وتتجاوب مع حاجات الأمة في هذا
العصر».
أبعد من ذلك، رأت عباس أنّ فضل الله أدرك أن الأحكام الموروثة يجب أن تعدّل بما يناسب إنسانية المرأة بحسب الظروف الحالية. كذلك، أخضع الموروثات الحديثية (المنقولة من الأحاديث الدينية) للنقد بحسب قربها أو بعدها من النص القرآني، مناهضاً الإخباريين الذين حصروا مصادرهم بكتب الأحاديث، وأسقطوا من أدلة الأصوليين دليلي العقل والإجماع.