الدار البيضاء | بنظارته الطبيّة، وملامحه اللطيفة، وطريقة كلام يغلب عليها الصدق، بات محمد عليوين بطل الإنترنت المغربي. بعد الانفلات الأمني الذي شهدته العديد من المدن المغربية، إثر موجة الاحتجاجات التي شهدها الشارع الشهر الماضي، والقمع الذي تعرّض له متظاهرون في مدن صغيرة، خرج محمد عليوين عن طوره. الشاب المغربي المقيم في الولايات المتحدة الأميركية لم تعجبه الطريقة التي عومل بها المحتجّون. جلس أمام حاسوبه ليسجل للمرة الأولى رسالة بـ«الوجه المكشوف» يتوجّه فيها مباشرة إلى الملك.
في بداية التسجيل (مدّته سبع دقائق)، أخرج عليوين جواز سفره وهويته ليثبت أنّه مغربي. ثم بدأ حديثاً صريحاً وجّهه إلى العاهل المغربي، انتقد فيه نظام المملكة والسياسات العامة، وسيطرة بعض اللوبيات العائلية المنحدرة من فاس (العاصمة التاريخية للمغرب) على مقدرات السلطة والاقتصاد. وحالما صار الفيديو متوافراً على «يوتيوب»، انتشر كالنار في الهشيم. وحتى الآن، شاهد التسجيل أكثر من نصف مليون شخص في أقل من أسبوع، مما دفع شباباً آخرين إلى خطوات مشابهة، ليتحوّل «يوتيوب» خلال الأيام الماضية إلى ما يشبه الـ«هايد بارك» المغربي. لكن يبدو أن هذه الخطوة أزعجت بعض المقرّبين من الملك، فهبّوا للدفاع عنه، وانتقاد «الوقح الذي تجرّأ على الملك» حسب أحد التعليقات التي نشرت على الإنترنت. كذلك كال له بعضهم الشتائم، وبعضهم الآخر وصل إلى حد تهديد سلامته الجسدية، ووصف ما فعله بـ«الإلحاد»، و«العمالة» لأجهزة استخبارية و«المثلية»! ونُشرت عشرات التسجيلات للرد عليه، آخرها لطفل يبلغ على الأكثر 14 سنة، إلى جانب آلاف التعليقات التي هاجمته على النت.
الأجهزة الأمنية هي الأخرى لم تنتظر طويلاً، فحقّقت مع أفراد من عائلته التي لا تزال تقيم في مدينة اليوسفية (وسط المغرب). وهذه الخطوات لم تزد عليوين إلا عزيمة، إذ نشر تسجيلاً يندّد فيه بما حصل مع عائلته، قبل أن يحتجّ عاري الصدر لمدة تناهز الساعة أمام إحدى القنصليات المغربية استنكاراً لهذه المضايقات. «الحرب» على عليوين لم تقف عند هذا الحد، فقُرصنت حساباته على كل من «تويتر»، و«فايسبوك»، و«يوتيوب»، وأهانه كثيرون في جزء من التسجيلات التي ردّت عليه. هكذا وصفه بعضهم بـ«المهاجر المرتاح في أميركا، فيده ليست في النار». ردّ عليوين لم يتأخر، إذ نشر على الإنترنت ردوداً على عدد من منتقديه، كان أكثرها «قوة» وربما مرارة أيضاً، آخر تسجيلاته التي حكى فيها قصة حياته: من أحد أفقر الأحياء في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء حيث ولد، إلى دور الصفيح في مدينة اليوسفية، ثم دراسة الأدب الإنكليزي في الجامعة التي فتحت أمامه أبواب العطالة الواسعة. عطالة تجرّع مرارتها سنوات، إلى جانب عنف رجال الأمن الذين كانوا يقمعون احتجاجات جمعيات المجازين العاطلين من العمل التي انخرط فيها، ثم انتقاله إلى أميركا، بعد الزواج بمواطنة أميركية تعرّف إليها على الإنترنت. وهنا أكد أنه لا يحبّ حياته في الولايات المتحدة. لكن الحق يقال، فإن آلاف المغاربة ساندوا هذا الشاب الثائر، وحيّوا شجاعته ومجاهرته بما عجزوا طويلاً عن قوله أو حتى الهمس به. وقد تأسّست صفحتان على موقع «فايسبوك» للتضامن مع نجم «الويب» المغربي والتنديد بالهجوم الذي يتعرّض له. وقد وصل عدد المنضمّين إلى هاتين المجموعتين إلى أكثر من ثلاثة آلاف شخص. وتضامن معه صحافيون وإعلاميون، أبرزهم الصحافي علي المرابط، المعروف بأنه أحد أكثر الإعلاميين انتقاداً للدولة، وهو ممنوع من مزاولة الصحافة في المغرب بقرار قضائي.
عدوى تسجيل عليوين انتقلت إلى مواطنين آخرين خرج بعضهم بوجه مكشوف على «يوتيوب» للحديث عن الأوضاع العامة المغربية وانتقاد طريقة إدارة البلاد. مواطن لم يكشف عن هويته تحدث عن «تهمة سبّ المقدسات» التي يعاقب القانون الجنائي المغربي من خلالها أي شخص «يشتم» الملك، وقد استغلّها رجال الأمن كثيراً في السنوات الأخيرة لتلفيق تهم لمواطنين عاديين، بعضهم مصاب بأمراض نفسية. منتقد «المقدسات» رأى أنّ الملك الراحل الحسن الثاني خان الحركة الوطنية، والمقاومة المسلحة المغربية التي حاربت الاستعمارَين الفرنسي والإسباني، وحملت اسم «جيش التحرير». وقد شاهد تسجيله نحو 45 ألف شخص. كذلك نشر ناشط آخر حديثاً انتقد فيه «المجلس الاقتصادي» المعيّن أخيراً، وطابع «قدسية الملكية» الذي تفرضه نصوص قانونية ودستورية، فيما تحدث آخرون عن ضعف التعليم الجامعي والرشوة ومواضيع أخرى.



الـ«بوليساريو» على الخطّ

«الشعب المغربي يساند محمد عليوين ضد العصابة الملكية...كلّنا محمد عليوين» هذا هو عنوان إحدى المجموعات التي أسستها مجموعة من الناشطين الإلكترونيين المغربيين لمساندة بطلهم الجديد. لكن كما هي العادة دوماً، تدخّل بعض مناصري النظام، ليحاولوا تصوير عليوين على أحد المتواطئين مع الجزائر و«البوليساريو» في الصحراء الغربية «لإضعاف المغرب». ووجّه كاتب هذا التعليق رسالة إلى كل المواطنين المغربيين:
«لنوجّه كل طاقاتنا ضد العدو (أي البوليساريو). هذا نداء لكل الحركات لتوحيد الصف، فوطننا واحد وعدوّنا واحد... معاً لنصرة الوطن والوحدة الترابية».