ننشر هنا بيان «هكذا نرى» الذي عبّر فيه الشاعر قاسم حداد والناقد أمين صالح عن موقفهما من انتفاضة البحرين:
لم نكن يوماً بعيدين عن نبض الشارع. عن حركته وإيقاعاته في مختلف حالاته وأجوائه وأمزجته.
لم نكن يوماً بعيدين عن همومه وأحلامه. عن ضحكه وغضبه.
لكنّا كنا ننأى عن كل ما يحرّف ويشوّه ويلوّث ويفسد.
لسنا أكثر براءة، أكثر وعياً، من غيرنا، إلّا أننا حاولنا أن نظلّ صادقين مع أنفسنا، مع قيمنا ومبادئنا وأفكارنا. لهذا لم نروّج يوماً لتعاليم سلطة أو نظام أو حزب أو تيار ديني.ولعلّ أشدّ ما يقلقنا هو التوظيف الديني، المتطرّف والمتعصّب، الذي يجري التسابق به في مجمل المشهد. فنحن لا نرى في ذلك وسيلة أو حلّاً أو أفقاً لمشكلات حياتنا.
■ ■ ■
قبل أسبوعين، اغتسلت هذي الأرض بدماء طاهرة، نقية. ثم بكت البكاء الذي رجّ القلوب وشلّ الأحداق.
سالت الدماء الشجاعة والنبيلة من أجسام شجاعة ونبيلة، أبت أن تمرّ أمامنا مثلما يمرّ الحدث العابر. لا، ليسوا رقماً ولا عدداً. زرعوا فينا أسماءهم اسماً اسماً. رسموا فينا وجوههم وجهاً وجهاً. كي لا ننسى بشاعة الحدث وعنفه وجنونه. ثم مضوا يذرعون ميادين البلاد على مهل.
■ ■ ■
لم نكن يوماً بعيدين عما يحدث.
نؤمن بحقّ الشعب، بكل فئاته وطوائفه وأفراده، في التعبير سلمياً عن مطالبه المشروعة في العيش بحرية وكرامة. في تحسين أوضاعه المعيشية والقضاء على البطالة والفساد. في إعادة النظر في التجنيس السياسي، والقوانين التي تحول دون تحقيق حريات المجتمع، أو تعطّل مشاركاته العادلة في الحقوق والواجبات. ونحن ضد العنف والمعالجات الأمنية لمشاكل حياتنا.
لكننا لا نتفق مع بعض الشعارات المرفوعة في الشارع، تلك الشعارات العنيفة التي تدعو إلى إسقاط النظام الآن وفوراً، في وقت نرى إمكانية تحقيق مكاسب معيّنة عبر حوار وطني شفّاف وديموقراطي.
لا نريد لهذه الاحتجاجات الشعبية أن تديرها التيارات الدينية الطائفية، فتحرّف المطالب، وتشوّه الحقوق، وتوجّه الحركة وجهةً ليست خاطئة فحسب، بل مضادة، وقد تفضي إلى التناحر.
كذلك نرفض القوائم السوداء، بكل مسمياتها وعناوينها ومبرّراتها، التي يبتكرها كل طرف من أجل قمع الآخر وتخويفه وتخوينه وتصفيته. هذه الممارسة، أو هذا السلوك الذي يتنافى مع أبسط قواعد الديموقراطية، التي تقوم على حقّ الاختلاف والحوار والجدل، واحترام الرأي الآخر.
نرفض التعامل مع الفرد كائناً تابعاً خانعاً قابلاً للإغواء أو التهديد أو الابتزاز. نؤمن بحرية الفرد، وحقّه في التفكير، واتّخاذ الموقف الخاص والمستقلّ، من دون أن يُفرَض عليه موقف ما، أو الضغط عليه كي ينحاز إلى هذا الطرف أو ذاك.
■ ■ ■
لسنا في موقع الوصيّ والموجّه والمرشد والمنظّر. لا نحسن هذه المهن.
نحن أفراد نرى الهاوية أمامنا فاغرة الأشداق، فنلتمس من الجميع أن يحذر وينتبه. هذه الأرض لا تحتاج إلى دماء.
قاسم حداد وأمين صالح
(البحرين)
4 تعليق
التعليقات
-
عدم الوضوح نوع من الخيانةمؤسف فعلاً هذا البيان الذي يميع الحراك ويساوي بين القاتل والقتيل . أليس من الأوجب أن يحدد قاسم حداد مسؤولية النظام عن قمع البشر. أليس من الأجدى أن يحدد ضرورة تواجده في طليعة الحراك لتغدو المواطنة هدفاً يجمع الطوائف في وجه الظلم لكنه يتراجع هنا محافظاً على مكاسبه (المتواضعة ) من السلطة عزيزي يبدو أن الحراك قد سبقك أنت أيضاً ويبدو أنك قد شخت وفترت راديكاليتك ..وهذه ليست أول مرة تتخذ فيها موقفاً ملتبساً , عزائنا في فقدانك مئات الآلاف من الشبان المتوهجين بالحلم ..والثورة أبقى منا جميعاً
-
المطلوب ليس فقط الوقوف على التلإذا كان الحاكم قد فرض سيطرته فذلك بفضل عوامل متعددة منها الدعوات الرمادية المغلفة بمساطر البعد عن المواقف المتطرفة او حرية إتخاذ الموقف من دون ضغط او خلاف ذلك...... الواقع والخلاص من علله لا يعالجان بالتنظير فقط ،على أهمية النص المواكب لحدث التغيير ،بل يجب التقدم والضغط على الظالم المستبد باللغة التي تؤلمه لكي يقدم على التراجع ،لانه من دون إشعار المستبد بالخطر على حكمه لن يتحرك و يتدارك الموقف وينزل على راي الشعب ،وكل تنظير يوهن من عزيمة المنتفضين ضد الحاكم يزيد من عمر الحاكم و يرفع كلفة التغيير ،ثم هناك نقطة يجب رميها في المزابل بعد اليوم و تتلخص باتالي:المثقف يجب عليه تصدر قائمة المضحين وليس فقط قائمة القاطفين لنجاح التغيير ،فلتنزل نخب المجتمع إلى الشارع و تشهر سيف غضبها على من يصادر واقعها و مستقبلها بدل التلهي بالتنظير من خاف العدسات المكبرة
-
صوت الحكمةأكاد أسمع صوت الحكمة نقيا صافيا من هذا البيان تحية عالية لأرواح الشعراء وتحية للشهداء الذين يجب ألا نتفرج على موتهم بغباء
-
تحية لهما على هذا البيانتحية لهما على هذا البيان العقلاني والرائع