بيان «هكذا نرى» (راجع المقال أدناه) الذي وقّعه الشاعر قاسم حداد والأديب والناقد أمين صالح، حظي باهتمام الانتلجنسيا البحرينية التي واكبت الثورة منذ أيامها الأولى. وأعرب بعض المثقّفين عن خيبتهم، ولاموا زميليهم المحسوبين من أبرز ممثلي الحداثة الأدبية في البحرين والخليج والعالم العربي، على بعض الفقرات الإشكالية الواردة في البيان...تمنّى هؤلاء لو أنّ حداد وصالح اكتفيا ببيان الحرية الذي كانا في صدارة الموقّعين عليه، بدلاً من الوقوع في فخّ السلطة والتشديد على نقد بعض الشعارات التي نسبتها السلطات البحرينية إلى المتظاهرين. كتب حداد وصالح: «لا نتفق مع بعض الشعارات (...) التي تدعو إلى إسقاط النظام الآن وفوراً، في وقت نرى إمكانية تحقيق مكاسب عبر حوار وطني شفّاف وديموقراطي».
صحيح أنّ هناك فريقاً من اليسار الشيوعي (جبهة التحرير الوطني) تحفّظ على المشاركة في حراك يضمّ الحركة الدينية تخوفاً من صبغة شيعية غالبة على الحراك. وقد عبّر بعض رموز الجبهة، مثل الكاتب بدر عبد الملك، عن هذا الهاجس. لكن أي مراقب لما يجري على أرض الواقع، يعرف أن المشاركة الفعليّة تعدديّة، من مختلف فئات الشعب، ولا تقتصر على الإسلاميين.
القيادة الفعلية للمنبر التقدمي تشارك في الحراك رغم تحفظ بعض عناصر اليسار الشيوعي كما ذكرنا. وهناك «وعد» (الجبهة الشعبية) ممثلة اليسار الوطني، والتجمع القومي الديموقراطي (البعث)، والتجمع الوطني الديموقراطي... كلّهم يشاركون بقيادة «الوفاق». أما الشارع، فيتجاوز القوى الحزبيّة إلى حركة «شباب 14 فبراير». وعلى غرار الثورات الأخيرة، هناك خليط من متدينين وعلمانيين وتقدميين.
الممارسات غير السلمية ترتبط بحقبة مختلفة، وببلدان عربية لم تكن البحرين ضمنها. وكما لم يعد خافياً، فإن الثورات العربية ليست من صنيع التيارات الدينية المتشددة، بقدر ما تعبّر عن حاجة شعبيّة إلى التغيير. الشعب كلّه منخرط في حركة التغيير، والبحرين لا تشذّ عن القاعدة. وما تصريحات «الوفاق» ـــــ كبرى الجمعيات الإسلامية السياسية ذات الهوية الشيعية في البحرين ـــــ بأنها لا تسعى إلى إقامة دولة دينية، ولا إلى ولاية فقيه، بل إلى دولة مدنية، سوى استجابة للمعادلات التي تحكم الشارع البحريني، والشارع العربي. ألم يبدُ إسلاميو مصر وتونس على هامش ثورة الشباب؟ لماذا إذاً يكون الأمر مغايراً في البحرين؟ هل تحفظات قاسم وأمين في غير مكانها، وبالتالي تنعكس سلباً على الانتفاضة البحرينية؟ أم هي تحذير بدافع الحرص على الثورة واستقرار البلاد؟
المطلوب من الإنتلجنسيا العربيّة أن تمارس دورها التنويري، للحدّ من هيمنة الفكر الديني المتشدد، بدلاً من الدخول في صدام مع ممثلي هذا الفكر. فأيّ شقّ لصف المعارضة اليوم ـــ مثلما هي محاولات إثارة الفتنة على أيدي السلطات الخائفة ـــ لن يصبّ إلا في مصلحة الأنظمة الاستبدادية في المنطقة.