لم تخطئ الصحف الغربية حين قالت إن «ما قبل ويكيليكس ليس كما بعده». وهو الأمر الذي أكّده، أمس، المشاركون في اليوم الأول من ندوة «المصدر المفتوح في عالم الإنترنت والأوراق الدبلوماسية الأميركية المسرّبة كمعطى»، التي ينظّمها «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات»، وتستمر حتى غد الأحد في فندق «بريستول» (الحمرا، بيروت)، لكن الحديث هذه المرة لم يركّز على الارتدادات السياسية للوثائق الشهيرة فقط، بل على البعد الإعلامي للتسريبات، ودورها في خلق فضاء مفتوح لتبادل المعلومات.ولعلّ القاسم المشترك بين المحاضرين، كان الإجماع على نجاح «ويكيليكس» في كسر احتكار الحكّام للمعلومات. وهو الأسلوب الذي لجأت إليه معظم الأنظمة مثل «احتكار استخدام العنف» كما قال المفكّر العربي عزمي بشارة. وقد استعرض بشارة أنواع التسريب المتعارف عليها: التسريبات التي تحصل بين الخصوم السياسيين، ثمّ تلك التي تحصل بين المؤسسة الحاكمة ووسائل الإعلام. وفي إطار عرضه هذا، أضاء بشارة على الفارق بين تسريبات «ويكيليكس» والنوعَين السابقَين، إذ أكّد أن النوع الأول يشجّع الرأي العام على الدخول والانخراط في الحياة السياسية، فيما التسريبات بين الحكّام تدخل في إطار «الجدلية السلبية» التي تنفّر المواطن.
من جهته، اختار باسم الطويسي التحدّث عن ظهور «ملامح قوة جديدة» أرستها ظاهرة «ويكيليكس». وهنا، شرح مدير «مركز دراسات التنمية في جامعة الحسين بن طلال» في الأردن طريقة انتقال المعلومة من النخبة إلى العامة، بطريقة تحوّل معها الجمهور إلى مشارك في الحدث لا متلقٍّ فقط. وهو الواقع الذي جعل القوة تنتقل من الكيانات المنظمة كالدول، إلى العاملين في مجال مصادر المعلومات المفتوحة مثل «ويكيليكس». انطلاقاً من هذه الفكرة تحديداً، تحدّثت دينا مطر عن مبدأ انتقال القوة داخل المجتمعات، مؤكّدةً أنّ هذه النظرية حقيقية «لكن كيف تنتقل القوة في المجتمعات التي تفصل بين فقرائها وأغنيائها هوّة كبيرة؟»، تسأل الأستاذة المحاضرة في «جامعة لندن».
ورغم تركيز المحاضرين الثلاثة في الجلسة الأولى (أدارها نبيل دجاني)، على دور «ويكيليكس» في خلق حراك سياسي وإعلامي لافت، تناول الحاضرون من خلال أسئلتهم موضوعاً آخر: لماذا لم ينشر الموقع الشهير أي تسريبات عن إسرائيل؟ «لأن تعاطي السياسيين الإسرائيليين مع الدبلوماسيين الأميركيين، يختلف عن العلاقة مع السفارات في الدول العربية»، قال عزمي بشارة، مشيراً إلى أنّ جوابه تحليل شخصي.
كيف أعاد «ويكيليكس» تحديد العلاقة بين السلطة والمعرفة؟ وكيف أثّرت التسريبات في عملية التحكّم في المعلومات؟ أسئلة حاولت الأستاذة في «جامعة زايد» في الإمارات لينة الجيوسي الإجابة عنها في الجلسة الثانية التي أدارها نصري الصايغ. قارنت بين ما حققه موقع أسانج، وكسر المطبعة لاحتكار الكنيسة عملية تفسير الدين.
ومن «ويكيليكس» إلى مواقع التواصل الاجتماعي ودورها في تحريك ثورتَي تونس ومصر، تحدّث الصادق حمامي عن ضرورة الابتعاد عن تصنيف الثورات الشبابية كتحركات افتراضية انطلقت من الشبكة العنكبوتية، فقط لا غير، رغم تأكيده الدور البارز الذي أدّاه الإنترنت في تحريك الشارع. هكذا قال إن التسريبات المتعلقة بتونس جاءت لتؤكّد للمواطنين ما كانوا يتداولونه سراً عن الفساد المستشري في بلادهم، ثمّ لجأوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي للدعوة إلى النزول إلى الشارع، «وقد نجحت الثورة رغم حجب النظام لهذه المواقع أو قرصنتها». الفكرة نفسها تناولتها نرمين السيد في إطار استعراضها لدور الإعلام الجديد في إنجاح الانتفاضة المصرية. الأستاذة المصرية في «جامعة يورك» (بريطانيا) رفضت هي الأخرى حصر الثورة بالإنترنت، مؤكّدة أنّ التحركات الشعبية الكبيرة حصلت في الوقت الذي كان فيه نظام حسني مبارك قد قطع كل وسائل الاتصال. هنا، تحدّثت السيد عن نوع آخر من التسريبات بعيد عن «ويكليكس» وهو صورة الشهيد خالد سعيد مشوّهاً ومقتولاً، وأدت إلى استنهاض المصريين».
وإن كان المحوران الأوّلان قد ركزا على تأثير الوثائق على المفاهيم السائدة، جاء المحور الثالث (أداره جهاد الزين) ليضيء على انعكاس التسريبات على الصحافة التقليدية. هنا تحدّث كل من رضا عبد الواجد أمين (البحرين)، ونهود القادري عيسى (لبنان)، والصادق رابح (الإمارات)، وعلي حسين باكير (الأردن) عن الوظيفة التي يؤدّيها الإعلام التقليدي أمام انتشار مصادر المعلومات المفتوحة.