دمشق | ثلاث دقائق من الكلام تكفي لإطلاق دورة جديدة من DOX BOX. لا حاجة إلى الخطابات الرنانة، ولغة الاستعراضات التي تميز مهرجانات دمشق الرسمية. هكذا، تأتي الدورة الرابعة من «مهرجان أيام سينما الواقع»، لتؤكد أنّ المهرجان يصلح نموذجاً للمبادرات المستقلة. هذا العام، يقدّم إلينا «دوكس بوكس» تجارب جديدة من أحدث ما أنتجته السينما التسجيلية العالمية، إضافةً إلى تظاهرة «أصوات من سوريا» و«هذا عالمي»، وتظاهرتين عن الأفلام الاجتماعية، أولاهما بعنوان «البحث عن حياة أفضل»، ثم تظاهرة أخرى بعنوان «عن الرجال». وتحل السينمائية البريطانية المعروفة كيم لونجينوتو ضيفةً على المهرجان. مع كل تلك الجهود المبذولة، يسلّط بعض المثقفين والسينمائيين السوريين على التجربة، نظرة نقديّة، صحيّة في النهاية. هناك، كما لمسنا، شبه إجماع على أنّ المهرجان يمثّل فرصة مهمّة لتعرّف الجمهور السوري إلى الفيلم التسجيلي، ومنح هذا الفنّ المساحة التي يستحقّها، لكن بعضهم يبدي مخاوفه من فقدان المهرجان استقلاليته بعدما صار مدعوماً من «المؤسسة العامة للسينما». يقول السينمائي محمد ملص: «من الطبيعي في أجواء القحط والبؤس السينمائي، أن تكون إقامة تظاهرة حرة كـ «دوكس بوكس» حدثاً مهماً، وخصوصاً أنّها تظاهرة خاصة بالسينما الوثائقية»، لكنّه يبدي مخاوفه من تراجع روح الاستقلالية في هذه الدورة، بسبب الدور الذي تحاول المؤسسة العامة للسينما ممارسته. ويؤكّد ملص: «السينما الوثائقية لا تشاهَد، ولا تُصنَع، إلا في جو ديموقراطي وحر ومستقل». مدير المهرجان عروة نيربية يردّ على هذه التحفّظات: «علاقتنا مع المؤسسة واضحة. هي تقدّم تسهيلات مهمّة وتمنحنا صالات عرض، لكنّ رقابة الأفلام لا تخص هذه المؤسسة أبداً». ويذهب آخرون إلى اعتبارها تظاهرة تعمل وفقاً لمعايير الرقابة السياسية، بتعبير محمد منصور. ويتساءل هذا الناقد السوري «لماذا لم يبادر «دوكس بوكس» حتّى الآن إلى عرض أهم التجارب السورية التسجيلية، مثل أفلام الراحل عمر أميرلاي، علماً بأن الأخير كان بمثابة عرّاب للتظاهرة؟ أليس السبب كونها ممنوعة رقابياً؟». ننقل الانتقاد إلى نيربيّة، فيفاجئنا بأن الدورة الحالية ستشهد عرض ثلاثة أفلام لأميرلاي: «دوكس بوكس كان أول من بادر إلى عرض أفلام أميرلاي. والأخير كان أقرب الناس إلى هذه التظاهرة كمستشار وناصح وأستاذ». وإلى جانب عرض بعض أعمال أميرلاي، سيعلن المهرجان قريباً صيغة لتكريم السينمائي الراحل، وحفظ إرثه بطريقة تتواصل في المستقبل ولا تتوقف عند تأبين عابر.
على الضفة المقابلة، يبدو الفنان فارس الحلو من أكثر المتفائلين بالتجربة: «أنا أميل إلى أي حراك ثقافي ونشاط أهلي خاص بعيد عن المؤسسات الرسمية، لأن نتائج ما تقدمه المؤسسات الرسمية ضعيفة جداً». أما الشاعر محمد عضيمة، فيُعدّ من المتابعين الأوفياء للمهرجان. يرى أنه لو حصلت شراكة بين المؤسسة العامة للسينما و«دوكس بوكس»، فإنّها فرصة لتنزع غطاء البطالة عن المؤسسة الرسمية، إضافةً إلى أنّ التظاهرة بحد ذاتها إنجاز يستحق التقدير بما أنّها فسحة للسينما التسجيلية الشابة في سوريا. وتبقى الكلمة الأخيرة للسينمائيين الشباب. المخرج السوري نضال حسن، الذي شارك في الدورة الماضية من خلال شريطه «جبال الصوان»، يؤكّد أنّ «دوكس بوكس» فرصة ممتازة، على اعتبار أن ثقافة الفيلم التسجيلي محدودة في سوريا، لكنّه يشير إلى ضبابية المعايير في منح الجوائز، واستبعاد أفلام جيدة عن المشاركة، وخصوصاً في الدورة الماضية. بحركة يد يزيح عروة نيربية هذا النقاش: «لن نعود إلى الوراء الآن. لقد استقطبنا لجنة تحكيم عالمية، ولا أحد يمكنه أن يشكك في قراراتها. كذلك لا يمكن أن نتناقش في كل فيلم رُفض، فعدد الأفلام التي اعتذرنا عن عدم قبولها 640. وقد جاء الرفض لاعتبارات جماليّة وتقنيّة ليس إلا». ويؤكّد نيربيّة: «تلك الأفلام عُرضت على لجنة الاختيار المستقلّة، ولم تخضع لأيّة رقابة».
أخيراً أردنا سماع رأي الجهة الرسمية في الانتقادات الموجّهة إليها، لكنّ مدير المؤسسة العامة للسينما الناقد محمد الأحمد لم يُجب على اتصالاتنا. ولدى إصرارنا على الوصول إليه، علمنا من مصادر موثوق بها بأنّ الأحمد يخضع لتحقيقات عدة إلى جانب بعض موظفي المؤسسة، بعد اكتشاف ملفات فساد في سجلات «مؤسسة السينما» و«مهرجان دمشق السينمائي».