«الطريق» ستعاود الصدور. أمس فقط، عرفتُ أنّ المجلة التي أصدرها الحزب الشيوعي اللبناني وترأس تحريرها (وسيفعل) الشيوعي العريق محمد دكروب، ستعاود الصدVور. كيف لي ـــــ ولمّا أبلغ بعد الثلاثين ـــــ أن أقول بأنّ لي ذكريات مع هذه المجلة التي صدر عددها الأول عام 1941؟ أن أقول بأن لي ذكريات مع أعدادها التي صدرت في السبعينيات والثمانينيات تحديداً؟ لكني الآن، هناك في غرفتي الصغيرة في بيت جدّي في مخيم العائدين في حمص، أحتفظ بنسخٍ من «الطريق». نسخ تآكلت حواف أوراقها المصفرّة، تفوح منها رائحة الرطوبة والغبار، كنت قد استعرتها من مكتبة أحد التنظيمات اليسارية في المخيم أثناء دراستي الجامعية هناك. وحين لم يسأل أحد عنها، تناسيت الأمر واحتفظت بها. أذكر منها عدداً خصّص للشهيد حسين مروّة، وأعداداً أخرى حوت موادّ منوّعة عن غرامشي.
لا أعرف الصيغة التي ستعاود المجلة الصدور بها. أعرف أن «الشيوعي اللبناني» توقّف عن تمويلها في سنواتها العشر الأخيرة لتعتمد على الاشتراكات، ما أتاح لها حرّية أكبر في الكتابات النقدية. هل سيعاود الحزب إصدارها؟ هل على الأحزاب الشيوعية واليسارية العربية المشاركة في تمويلها؟ هل من الأفضل أن تكون للمجلة استقلاليتها، فتموّلها اشتراكات القرّاء؟ لست أكيداً، لكن المجلة ستصدر، وهذا بحد ذاته سبب كاف لتجديد/ تثبيت تفاؤل الإرادة.
في هذه اللحظات من تاريخنا، نهضة ثورية شعبية عربية تسبق الأحزاب اليسارية بأشواط. تلك الأحزاب التي لطالما أصدرت بيانات تُكثر فيها من مفردات «شعب» و«ثورة» و«تحرير». أمر ما عُطِب في هذه الأحزاب منذ زمن. و«الطريق» كانت هناك، في كل حالات اليسار العربي، ثم توقّفت كما توقّف اليسار على حاله. آن للمجلة أن تعاود الصدور لأنّ الحال العربية تتغيّر، وحال يساره على حالها، وفي أحسن أحواله يكون في حالة «نلْحَق أو لا نلْحَق». طبعاً «الطريق» وحدها لن تبعث نهضة اليسار العربي. هذا العبء تحمله مجلات وتيارات ومفكرون ومناضلون من الجنسين. لكن سنونوة تكفي للتبشير بالربيع. النقد وإعادة النقد في كل ما يخص الثقافة الماركسية والإنسانية عند الحركة اليسارية العربية هما بعض منافذ هذا الخلاص، و«الطريق» هي إحدى أهم أدوات ذلك النقد.
عرفت من مروان أن «الطريق» ستعود، وأن دكروب سيحرّرها. سألته: «لسّا فيّو حيل؟»، فقال بأن ذلك كان سؤاله لدكروب الذي أجابه: «ليش بيقدروا بالحزب يهَدّوني؟».
* صاحب www.horria.org