إنه سباق المسافات القصيرة في تنفيذ أحكام الإعدام. هكذا يبدو الأمر في نظام «الأرض الحرام»، حيث عملية إعدام تجرى كل يومين. 135 حكماً بالإعدام نفّذتها المملكة السعودية منذ مطلع 2015 لتحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم في هذه الأفعال.اليوم، يأتي دور الشاعر والفنان التشكيلي الفلسطيني أشرف فيّاض بعد صدور حكم بإعدامه بذريعة أنّ ديوانه «التعليمات... بالداخل» (دار الفارابي ــ 2008) يتضمّن أفكاراً «تدعو إلى الإلحاد والتحرّش بالذات الإلهية».
وكان فيّاض المولود والمقيم في السعودية قد تعرّض للاعتقال في كانون الثاني (يناير) من العام الماضي، عندما تم التحفظ عليه من قبل جماعة الأمر بالمعروف، فاحتُجز لمدة يوم واحد، ثم أطلق سراحه، ليعتقل من جديد ويُحكم عليه بالسجن أربع سنوات والجلد 800 جلدة، لكن تم استئناف الحكم لدى قاض آخر ليُحكم بالإعدام.
أثار الحكم كالعادة ردود أفعال كبيرة من جهات حقوقية وأدبية مختلفة، لكن نظام آل سعود لا يلتفت مُطلقاً لتلك النداءات التي تُعارض أحكام السجن والإعدام كأن لا صوت اعتراض قد صدر كما يجري في البلدان والأنظمة السياسية الطبيعية. في المقابل، يخضع هذا النظام لتدخلات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الرامية إلى الإفراج عن عناصر تابعة لها بعد ارتكابها جرائم لا لبس فيها. هذا ما حدث في حالة الداعية السعودي فيحان الغامدي الذي برأه القضاء في الصيف الماضي من تهمة القتل والاعتداء الجنسي على طفلته لمى. كما برأه من تهمة القتل «الخطأ» وتم الاكتفاء بتهمة «الإسراف في التأديب الذي أدى إلى مقتل الطفلة» واعتباره ضمن «قضايا العنف الأسري»! وكانت الطفلة لمى قد فارقت الحياة قبل أكثر من عام بعد إصابتها بنزف في الرأس سببه كسر في الجمجمة، إلى جانب حروق وضرب في جسدها سببه السوط والسلك الكهربائي. ورغم اعتبار أي فعل تضامني مع ضحايا آل سعود فعلاً عبثياً، فقد أطلق الشاعر المصري محمد حربي عبر صفحته الشخصية على الفايسبوك حملة لدعم الشاعر الفلسطيني أشرف فياض المعتقل في أحد سجون مدينة أبها. وتتمثل الحملة في كتابة قصائد تندد باعتقاله، وتطالب بحريته. لقيت دعوة الحربي التي جاء عنوانها على شكل سؤال (هل يمكننا أن نحرر شاعراً بقصيدة؟)، ترحيباً واسعاً من عدد من الشعراء والمثقفين؛ منهم المصري زين العابدين فؤاد، والعراقي صلاح فائق. كذلك، أصدر مثقفون جزائريون بياناً أكدوا فيه تضامنهم واستنكارهم العميق لحكم الإعدام بحق فيّاض، مؤكدين وقوفهم الكامل معه في محنته «التي نراها محنتنا» وهو «يُساق بتهم باطلة إلى حد السيف ويهدر دمه/ حبره بسبب قصيدة».
ستكتمل عبثية الصورة مع تولي السعودية رئاسة «لجنة الخبراء المستقلين في مجلس حقوق الإنسان» في الأمم المتحدة. قرار انتقدته ألكسندرا الخازن، رئيسة مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة «مراسلون بلا حدود». وقالت «أمر مشين أن يُسمح للمملكة العربية السعودية، وهي واحدة من أكبر الدول المنتهكة لحقوق الإنسان في العالم، برئاسة هذا الفريق».
من جهتها، وصفت إنصاف حيدر زوجة المدون السعودي المسجون رائف بدوي القرار بأنه «فضيحة»، مضيفة «إنّ المصالح المتعلقة بالنفط تغلبت على حقوق الإنسان». وأكدت أنّ «منح الدبلوماسي السعودي فيصل بن حسن طراد لهذا المنصب هو ضوء أخضر للمملكة لجلد زوجي مرة أخرى». بعد كل هذا، يأتي وزير خارجية آل سعود عادل الجبير ليقول بأنهم يتدخلون في سوريا واليمن من أجل استعادة الشرعية وتثبيت حكم ديموقراطي، لعلها ديموقراطية شبيهة بتلك التي يتم تطبيقها في «الأرض الحرام».