«رامة والتنين» ستحفظه من النسيان

  • 0
  • ض
  • ض

كان ذلك في الثمانينيات حين كنا لم نزل قراءً ونبحث عن بقعة صغيرة في عالم الكتابة لكي ننقل قدماً واحدة ومرتجفة إليها. وكان إدوار الخراط واحداً من تلك الأسماء التي ستضع قراءاتنا الأولى وراءنا، وتضع وعينا الغضّ أمام جملة أو جمل سردية تبتعد، بطريقة ما، عن رومانسيات إحسان عبد القدوس ومحمد عبد الحليم عبد الله، وحتى عن بعض واقعيات نجيب محفوظ ويحيى حقي، التي كانت أجيال كاملة تتعرف إلى القراءة من خلالهم. مع الخراط وأسماء أخرى كغالب هلسا وصنع الله إبراهيم وإبراهيم أصلان وعبد الحكيم قاسم، صار الحديث ممكناً ومستحقاً عن كتابة ما بعد محفوظية. كتابة ستتطور وتنضج أكثر، وسيذهب أصحابها إلى نبراتهم وأصواتهم الخاصة التي لن تقطع نهائياً مع الأفق المحفوظي، ولكنها ستجد في داخله وفي جواره حساسيات مختلفة يمكن الحفر فيها واستخراج سرديات غير مستعملة منها. نتذكر من أعمال تلك الحقبة: «اللجنة» و«تلك الرائحة» لصنع الله، و«الضحك» و«السؤال» لهلسا، و«مالك الحزين» لأصلان. نتوقف عند «رامة والتنين» لإدوار الخراط الذي تحولت مفردة «الحساسية الجديدة» لديه إلى ممارسة شبه كاملة في رواياته، وتوسعت داخل مصطلح آخر هو «الكتابة عبر النوعية» في تقديمه للآخرين وكتاباته عنهم. كان الخراط كاتباً إشكالياً في زمن كانت فيه الكتابة المستتبّة والآمنة مفضّلة ورائجة، بينما الأسئلة الجديدة كانت تُطرح في ممارسات متعددة، وليس داخل الرواية والكتابة فقط. نتذكر تجربة «غاليري 68» التي كان واحداً من أعضائها، كمفصل ثقافي أساسي داخل مصر وخارجها أيضاً، فمن ذلك المختبر الطليعي وصلت اقتراحات وأطروحات مستجدّة إلى كتّاب وفنانين من الجيل نفسه في بلدان عربية أخرى. من تلك الحقبة، وصلت أخبار الخراط وإشكالياته ومعاركه، قبل أعماله وكتاباته أحياناً. ترافق اسمه مع ضجة تقديمه لشعراء السبعينيات في مصر في أحد أعداد مجلة «الكرمل»، ومع انحيازه إلى قصيدة النثر المصرية، ومع اتهامه بـ«تخريب الثقافة المصرية» من قبل بعض خصومه أو المتضررين من انحيازاته لنصوص وتجارب معينة. كان الخراط اسماً بين أسماء ثمينة، وكان ذلك يعزز فكرة أن زمناً جديداً بدأ مع هؤلاء. زمنٌ سيشهد تحولات لاحقة وشجاعة في تجارب من جاؤوا بعدهم في الثمانينيات والتسعينيات. وبرحيله، تتصاعد خسارتنا بزيادة عدد من فقدناهم من الأسماء الخصبة لذلك الجيل الذهبي. من بين أعماله، سيتذكر كثيرون «رامة والتنين»، وخصوصاً في جزئها الأول قبل أن تصبح ثلاثية روائية، ثم خماسية. في الكتابة البحتة والصرفة، هذا كتابٌ خالد، وسيظل قادراً على حفظ اسم إدوار الخراط في غيابه.

0 تعليق

التعليقات