قبل أشهر من معركة يونيو 1967، عرض الصحافي الراحل أحمد بهاء الدين على صلاح جاهين تولّي رئاسة تحرير مجلة «صباح الخير». وافق جاهين ليكون أول رسام كاريكاتور يصبح رئيساً لتحرير المجلة التي توالت عليها أسماء مهمّة. لم يترك جاهين للمجلة أن تكون لسان حال السلطة، بل جعلها مجلة «صباح الخير التي يتغنى بحبّها الطير». عمل على تطوير الماكيت، وخصص أعداداً للفن والسينما والتشكيل، فضلاً عن تخصيص عدد عن الموديل العاري. لكن كيف أدار المجلة وقت المعركة؟ وماذا كتب وقتها؟قبل أربعة أيام من بدء القتال، كتب جاهين في بابه الشهير «في الفاضية والمليانة»، مقالاً بعنوان: «وسط الحديد والنار يولد الفن الجديد». يقول: «قفزت الأغنية قفزة كبيرة بعد معركة 1956. ويبدو أن هذه المعركة ستدفع بها دفعة جديدة. وستكون الخطوة التالية ظهور الأغنية القصيرة جداً وسنرى». وفي المقال ذاته، كتب فقرة بعنوان: «وداعاً جيمس بوند وعشيقته البلوند»، مؤيّداً وقف أفلام جيمس بوند من الصالات المصرية.
في العدد الذي تلاه وصدر بتاريخ 8 حزيران (يونيو)، بدا أنّ ظروف الطبع لم تتح بعد أيّ معلومات عن الجبهة. لذا كتب مقالته الافتتاحية (تلك كانت المرة الأولى التي يكتب فيها افتتاحية بعد تولّيه رئاسة التحرير) بعنوان «الطلقة الأولى»: «بدأت إسرائيل بالعدوان. كانت البادئة بإطلاق الطلقة الأولى في هذه المعركة الحاسمة التي تفصل بين عهدين: عهد وجودها الزائف المصطنع، وعهد زوالها الحتمي الأكيد».
مع صدور العدد التالي، كانت الأمور قد اتّضحت، وبدا جاهين متماسكاً إلى حدّ كبير. كتب مقالته بعنوان «من يضحك أخيراً»: «هدف هذه المؤامرة المرسومة بدقة (...) أن نحسّ بجبروت القوى الاستعمارية، فنتخاذل عن مقاومتها، ونترك أنفسنا لها لقمة سائغة». وأضاف جاهين: «أنا أصرّ على أن أحيا وأستمتع بالحياة، مثل أي مواطن في بلد متقدم صناعياً وفنياً وثقافياً. أنا أصرّ على الحضارة التي بنيتها. ولن أتركها تدمر لتحل محلها همجية لقيطة شوهاء».
وفي باب رباعيات، كتب جاهين: «فاتح عينيا للخطر ع الآخر/ قدرت أشوف وسط المحيط الزاخر/ وسط الظلام والضنك بارق أمل/ يبص للأهوال ويضحك ساخر». واستمر بالتفاؤل، فكتب في العدد الذي يليه: «هات يا زمان... وهات كمان يا زمان/ غير بسمة الشجعان ما مني يبان/ هو إللي داق الفرحة يوم ثروته/ يقدر يعود ولا ثانية للأحزان». وكل هذه الرباعيات استبعدها لاحقاً من النشر في الديوان بطبعاته المختلفة.
وفي آب (أغسطس) 1967، طلب إعفاءه من مسؤولية رئاسة التحرير، وكتب في آخر الأعداد زجلاً عن أزمة الشاي في البلد. يقول: «قال الرجل أبو لمؤخذه مؤخرة مكسورة/ في مستشفى المنيا ما أعرف والا المنصورة/ لما زميله سأله قال له إيه إللي جرالك/ إنت إصابتك جامدة مهياش حاجة صغيورة/ قال له: اقدم لك نفسي لو كنتش تعرفني/ أنا أصلي يا سيدي بطل الحدوتة المشهورة/ الشخص إللي جه يقعد على قهوة قعد على شاي/ وأكمن مفيش بقى شاي وقعتي كان فيها خطورة». وبالفعل رفض جاهين البقاء في منصبه، لأنّ «الإصابة جامدة مهياش حاجة صغيورة»!