الثامنة والنصف صباحاً، تمركزت الفرق الإعلامية في مكان الحدث في «ساحة النور» عند مدخل طرابلس. صحافيون ومصوّرون وقف كل واحد منهم إلى جانب «شاحنة البث» (SNG) الخاصة بمؤسّسته، وراح يتهيّأ لنهار طويل. كانوا يعرفون أن يومهم سيكون شاقّاً، لكن ما لم يتخيّلوه أن يصبحوا مستهدَفين بالحرق والرجم و... الرصاص! وبدل أن تلاحق كاميراتهم تحركات المعتصمين، طاردهم «الغاضبون» وضربوهم ودمّروا معدّاتهم. أمس، لم يشتبك في طرابلس طرفان مختلفان في العقيدة والسياسة بل تحوّل الصحافيون إلى «أعداء» و«مُشركين» وأهداف سهلة. «إنتو مين؟» سؤال وجّهه بعض الشبان إلى كل الفرق الصحافية التي حضرت مع بداية التجمّع. «وين «الجديد»؟» سأل بعضهم محدّداً. تمركز عدد من الشبان إلى جانب شاحنة طاقم «الجزيرة»، فيما السؤال بات أكثر إلحاحاً «وين مراسل «الجديد»؟». مالك الشريف الذي شعر أن الوضع «غير مريح» في الساحة، صعد إلى أحد الأسطح المطلّة. وما هي الا لحظات، حتى علت صرخة الشباب مهدّدة: «نزال حتى نفرجيك!». وبعدما انضمّ مراسل «الجزيرة» ماجد عبد الهادي إلى مراسل «الجديد»، نصحهما عناصر الجيش بالبقاء وراء جدران السطح «كي لا يثيرا استفزاز المتظاهرين». وعندما بلغ الاحتشاد ذروته، صعد شبّان على شاحنة البث التابعة لـ«الجزيرة» ودمّروها ثم أحرقوها. وسام موعد، مهندس «الجزيرة» الذي كان موجوداً داخل الشاحنة، وصف لـ«الأخبار» كيف حاول بعض المعتصمين منع الآخرين من الاعتداء عليه، وعلى آليته، لكنهم فشلوا، ثم نصحوه بمغادرة الشاحنة. تركها تحت حراسة، وخرج منها قبل أن تحترق بدقائق (تقدّر قيمة الشاحنة والمعدات التي دمّرت بحوالى 500 ألف دولار). بعد شاحنة البث، جاء دور المراسلَين المتواريَين على سطح أحد مكاتب النائب محمد الصفدي. ماجد ومالك يرويان لـ«الأخبار» أن عدداً من المعتصمين تجمّعوا أمام المبنى مطلقين التهديدات وهتافات التكبير. وعندما اختبأ الصحافيان داخل إحدى الغرف، أطلق المعتصمون الرصاص على باب الغرفة، ثم أضرموا النار في المكان، إلى أن تدخل الجيش وأخرج الصحافيين.
توقف بثّ «الجديد» و«الجزيرة» من عاصمة الشمال في وقت مبكر أمس، فيما لم يسلم بعض الصحافيين والطواقم الإعلامية الأخرى من اعتداءات «يوم غضب» صبّ جامه عليهم.



العراق وأفغانستان أسهل!

طاقم «الجزيرة» ليس جديداً على المخاطر. المهندس وسام موعد كان في الموكب الذي تعرّض للقصف الإسرائيلي في جنوب لبنان عام 2006. أما المراسل الفلسطيني ماجد عبد الهادي، فقد غطّى حربَي العراق وأفغانستان. ولكنه يقول إن هناك «الأمور أسهل. في الحروب المنظمة، هناك دائماً من يتحكّم في مجريات الأمور، لكن عندما يستفحل الغضب في الشارع، يصعب الإمساك بوتيرته». أما ابن طرابلس مالك الشريف، فلم ترأف به مدينته هذه المرة، و«أسف لانتمائه إليها، لأن ما جرى اليوم ليس من شيم أهلها».