الرياض| «عاد عبد الله الغذامي (1946 ـــــ الصورة) إلى إثارة الجدل في السعودية. صاحب «الخطيئة والتكفير» لا يخرج من معركة حتى يدخل في أخرى، متسلّحاً برؤية نقدية تستفز صرامتها الجدل الذي يصل إلى الشخصنة غالباً. ضمن محاضرة ألقاها في «جامعة الملك سعود»، وجّه الحداثي العتيق نقده إلى الليبرالية السعودية، التي وصفها «بالمشؤومة وهوية من لا هوية له»، آخذاً عليها غياب مشروعها الممنهج، وذاهباً إلى حد وصفها بالساذجة والمشوّشة. وانتقد الليبراليين السعوديين الذين «يمارسون إرهاباً معاكساً على من يحاولون معارضتهم».
ولم تمضِ أيامٌ حتى مارست مجموعة من الكتّاب الليبراليين «الإرهاب المعاكس». وصفوا الغذامي بأكبر بائع للعناوين في الشرق الأوسط، واتهموه بمحاباة السلفيين.
الهجوم الشخصي على الغذامي واتهامه بمحاباة السلفيين دليل على تمكّن ثنائية «الطيب/ الشرير» من العقلية الليبرالية السعودية بما يتنافى واحترام الاختلاف، وأيضاً تشرّب بعض الليبراليين العقيدة «البوشية»، القائلة بـ «من ليس معنا فهو ضدنا».
لم يتحدث الغذامي عن الليبرالية بوصفها مشروعاً تغريبياً، بل عن غياب نظرية فكرية ليبرالية واضحة على المستوى المحلي والعربي. الغذامي لم يصبّ نقده في اتجاه فكري واحد، بل نقد جميع الاتجاهات بما يجعله يخرج بصورة نقدية متوازنة وقريبة إلى الموضوعية العلمية، وإن رأى بعضهم في آرائه تضخيماً للذات على حساب الآخرين.
ردود الفعل الليبرالية على الناقد الحداثي تعبّر عن ضعف فكري على مستوى النظرية. كثير من الليبراليين السعوديين إما معارضون للهيمنة السلفية، أو منبهرون بالنموذج الأميركي، أو أبواقٌ تشجّع القمع. ولا يمكن القول بوجود أساس تنظيري واضح لحركة الليبراليين السعوديين حتى الآن. حتى المخلصون منهم وأصحاب العمق في الطرح لم يتمكّنوا من إيجاد مشروع حقيقي يقدم نظريات متكاملة في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويبدو أن من يعزز مفهوم الليبرالية ومسمّاها في البلد هم الإسلاميون والصحافيون الغربيون، عبر الإكثار من ذكرها في خطابهم وأحاديثهم.
يخرج الغذامي منتصراً بردود الفعل الليبرالية المتشنجة والانفعالية، فبعض الليبراليين يشوّهون مشروعهم قبل أن يبدأ.