في مقدمة «قتلتُ شهرزاد ـــــ اعترافات امرأة عربية غاضبة» («دار الساقي»، بالفرنسية والإنكليزية)، تروي جمانة حداد أن إحدى الصحافيات الأجنبيات استغربت يوماً وجود نساء عربيات في وسعهنّ إصدار مجلة إيروسية مثل مجلّتها «جسد». صاحبة «عودة ليليت» استفزّها السؤال، فكتبت نصاً امتدّ حتى صار كتاباً. ثم تساءلت في مقدّمته: «هل كانت كتابته فكرة جيِّدة؟ هل غرق في العموميات؟ (...) هل بالغ بالاستغراق في الذاتية؟»...
الكاتبة التي تقول إن «الجسد والإيروسية مصدر إلهامها الأساسي»، تتحدّث عن الفرد العربي المستلب، وترى أن الأديان تصادر الرغبة والخيار حين تنقل من البعد الروحاني إلى دائرة الحياة الخاصة والعامة. لكنّ الغضب يصبح موضوع الكتاب، بدلاً من نقد الواقع الذي أثار ذلك الغضب. جمانة حداد تتصدّى لآفات الرقابة والظلامية والازدواجية في مجتمعاتنا. وعلى طريقة عنترة بن شداد في الوصف المضخّم للأعداء بهدف تمجيد الذات في النهاية، تخلص إلى الاحتفاء بتمايزها، لأنها اخترقت تلك المنظومة. هذه المكافأة هي الأولى التي تقدّمها لنفسها في «قتلتُ شهرزاد»، لكنّها ليست الأخيرة.
الكاتبة التي تنتصب دفاعاً عن حريّة المرأة، لا تنجو من فخّ التعميم: أطنان «السيليكون» في بيروت، تقابلها جرائم الشرف في بعض الأطراف اللبنانية النائية، وفي الأردن وغيرها. ومقابل شيوع البيكيني في المغرب مثلاً أو تونس، لا يزال حقّ المرأة في قيادة السيارة مصادراً في السعودية. في «قتلتُ شهرزاد» تذكر جمانة حداد تلك الأمثلة، بعيداً عن أي مقاربة تحليليّة أو نقديّة. فهل تجوز مقارنة بنات الطبقة الوسطى في بيروت، مع بنات العشوائيات في القاهرة مثلاً؟ المرأة هي جزء من مشكلتها في العالم العربي، تقول صاحبة «عودة ليليت»، لذلك هي تقتل شهرزاد. لكن هل ثمة شهرزاد واحدة؟ يبدو نصّها مليئاً بالإسقاطات الذاتيّة: «تحرير جسد المرأة ولغتها، جزء أساسي ومهم من تحررها ومن حريتها». طبعاً، شرط أن تنعم تلك المرأة بأب متسامح مثل أبيها، تحوي مكتبته مؤلفات دو ساد وهنري ميللر والآخرين. هنا تقدّم جمانة حداد لنفسها مكافأة أخرى. لكن، في مقابل الظروف المترفة التي أتاحت لها «التحرّر»، هناك فتيات يقاتلن كي يسمح لهن بالخروج إلى الجامعة.
في فصل بعنوان «امرأة عربية تكتب الشعر الإيروسي»، تلاحظ حداد أنّ المرأة العربية تكتب بالرمز، فيما تحرير اللغة امتياز خاص بالرجال. ولو تجرّأت أنثى وكتبت في الجنس، فسينقضّ عليها المجتمع تجريحاً. مكافأة ثالثة إذاً، إذ تنصّب نفسها ضحيّة مطلقة، وبطلة وحيدة. أين نذهب بليلى بعلبكي وغادة السمان والأخريات؟ تذكر الكاتبة بنحو عابر علوية صبح وسحر خليفة وغيرهما، لكنّ رئيسة تحرير «جسد» احتفظت لنفسها بموقع الريادة. منذ مطلع القرن العشرين، لكي لا نعود إلى زمن ولاّدة بنت المستكفي، حفل تاريخنا الأدبي بنساء مارسن فعل التحرر من داخل النص، وذلك تاريخ مضيء ليس من الأمانة مصادرته. الكاتبة سعيدة بارتفاع عدد المشتركين في مجلّتها ـــــ «الإيروتيكية» لا «البورنوغرافية» كما تصرّ، وذلك نقاش آخر ـــــ في بلد مثل السعودية. لكنّها تنسى أن تسأل ما الذي حمل «جسد» (النخبوية باعترافها!) إلى عقر دار «السلفية والكبت الاجتماعي» حسب توصيفها للمملكة؟ أليس ذلك الكبت، في النهاية، حليفها الموضوعي في مسيرة مظفّرة تحت راية قتل شهرزاد؟ أرادت «ليليت» تصويب النظرة الغربية إلى المرأة العربيّة، فإذا بها تمتطي كل الكليشيهات الممكنة التي تؤكّد تلك الصورة النمطيّة. وقد وجد الإعلام ضالته في «قاتلة شهرزاد»: «جمانة حداد: متمردة في بيروت» قالت يوميّة «لوموند». «أن تقرأ ساد في بيروت» عنونت أسبوعيّة «لو نوفيل أبسرفاتور»، على وزن «أن تقرأ لوليتا في طهران». هذا الغرب اللطيف، الاستشراقي أكثر من أي وقت مضى، «يعرف» جيّداً ما هو الأفضل لطهران وبيروت. وليس عليه كي يتأكد من أنّه على حقّ، إلا أن يقرأ كتاب جمانة حدّاد...
10 تعليق
التعليقات
-
قتلة شهرزاد !لا تستحق هذه الإشاعة كل هذا الشيوع. من يدعي قتل شهرزاد بهذه الخفة وهذا الجهل الموسوعي إنما يقتل نفسه. تقتله نرجسيته وعبادته لاسمه في مقارعة كتاب لا اسم لمؤلفه أو لمؤلفيه. شهرزاد امرأة هي الأروع، بل هي أكثر من امرأة. إنها حكاية هي الأجمل في تاريخ الأدب العالمي، قديماً وحديثاً.
-
كنت أتوقع الا يمضي 3 ايام علىكنت أتوقع الا يمضي 3 ايام على نشر هذا المقال، حتى تقوم صحيفة زميلة لكم سعودية بالذود عن حمى قاتلة شهرزاد وكتابها. ولكن السيدة لم تستطع صبرا كي تحشد قواهاوقواهم، فاستنجدت بكاتبة ومقالة طويييييييلةةةةاليوم في صحيفتها تشيد بعظمة الكتاب.مع ذلك انتظروا رد القوة الحليفة-ال وازن ة- والموالية ورهط المقالات المنتصرة.
-
جسد وعقلهيدا الجسد كان لازمو هيك عقل
-
لتفعل ما تشاء بالجسد, ولكنلتفعل ما تشاء بالجسد, ولكن لتدع الكتب لأصحابها
-
جمانة حداد ...ليليت برات البيتليس غريباً على الثقافة التي تروج لها جريدة النهار منذ عقود أن تأتي بالسيدة جمانة كرئيسة تحرير للقسم الثقافي.... لبنان والعالم العربي في وادي والسيدة حداد في وادي آخر. كأن المراة العربية بحاجة إلى وصفة للتحرر تأتي من حياة مترفة تعيشها السيدة حداد, لاتعرف حضرتها ان المرأة (والرجل) المترفين يعيشان بحرية كاملة في كل دول العالم , لم تسمع حضرتها عن مغامرات الأميرات والأمراء الخليجيين في أوروبا , بينما تكافح الآلاف من النساء العربيات يومياً بين عملهن وبيوتهن للحفاظ على حياة كريمة. ثم من قال أننا بحاجة لشكل محدد من الحياة الجنسية , من نصب تلك السيدة وصياً على مفاهيمنا , ألاتشكل حضرتها وجريدتها المصونة شذوذاً كاملاً عن حال البلاد العربية وماتعانيه من غياب العدل الإجتماعي بسبب السياسات السلطوية والدينية.... لم نسمع من حضرتها نقداً ولو ملطفاً لحكومة ما او مؤسسة دينية ما..هكذا , نقد هلامي غير محدد المعالم ... ثم ألا يحق للمرأة العربية اختيار الزي الذي ترغبه أم أن هناك شكلاً معيناً للحضارة في ذهنك المترف... السيدة حداد انصرفي إلى تخيلاتك وأوهامك المترفة , دعينا وشأننا, ألفي كتباً قدر ماشئتي , وانشريها في كندا , فرنسا, أو هونولولو.. لكن لاتثقلي مكتبتنا العربية بالمزيد...
-
فخورانا افخر بوجود كاتبة مثل السيدة جمانة حداد
-
جسدلم اقرا الكتاب انما اعرف المجله وبعض الشعر تروق لي هذه الجمانه وماذا لو كانت مترفه وماذا لو كانت متاثره بتجارب اخرى وماذا لو قدمت نفسها رائده بما تنتج اليس لها الحق اليس لنا الحق بالاطلاع على ما تتطرق اليه انا رجل عادي بكثير من امور الحياه اما بما يتعلق بجسدي والجسد الاخر لطالما كنت مرتبك لعدم قبولي بالتعاطي مع الجسد بالطرق السائده لا التقليديه ولا( المنحرفه عن التقاليد) كانت هناك على الدوام تلك النظره الضبابيه بما يتعلق بالامر لم اره سلعه ولا لمره واحده ولم اره هدف ولو لمره واحده اتت تلك المجله لتعطي بعد اخر قيمه اخرى للجسد مما ساعدني بالتخلص من ارتباكي نحو الجسد جسدي والجسد الاخر والجسد المثلي ,والجسد لم يعد منفصل عن كياني او عن كيان الاخر كل الاخر ، المجله بمجرد وجودها ساعدتني بايجاد لغه تخاطب مع نفسي والاخرين ، التي لم تكن ممكنه قبل بسبب التابوهات المتراكمه دينيا واجتماعيا
-
طبول الأناالطبول التي تقرعها حول نفسها ترسل صدى مشابها تماما لمضمون الطبل.. رحم الله امرئ عرف حده فوقف عنده
-
الجسد - تعلة ومركب وصول الى الغربشكرا رنا حايك نعم يا رنا المسألة بالنسبة الها بطولات وتسجيل نقاط وهرولة الى ...الصحف الغربية. انها تقضي نصف وقتها في صناعة علاقات متينة مع المحسوبين واصحاب الموازيين بس برافو عليها ... عم تعرف توصل ونعم كبيرة لقولك "أليس ذلك الكبت، في النهاية، حليفها الموضوعي في مسيرة مظفّرة تحت راية قتل شهرزاد؟ "هو الكبت ذاته الذي تلعب عليه بدءا من طريقة اختيارها لصورتهاالفوتوغرافيةووصولا الى موضوعها الاثير-الجنس- وهي تعرف تماما بانها لو ذهبت للكتابة عن اي موضوع خال من الاثارة الجنسية لن تصل صوتها لأبعد من أذنيها.بعدين، هيدا هوي الكتاب الفكري! الذي كانت تهددنا باصداره في العالم الاوربي والعربي؟؟...طبعا ورد قسم كبير منه في العمود البائس الذي تحرره في صحيفة النهار...السلام عليكم، وله القوة والمجد- جسد السيدة.
-
مقال فعلا ممتاز. أريد أن أضيفمقال فعلا ممتاز. أريد أن أضيف نقطة تتعلق بهذا الكتاب وتحديدا بسياق نشره. في احدى مقابلاتها اكدت حداد انها كتبت هذا الكتاب في ظرف ساعات محدودة رداً على صحفية اجنبية كانت قد استفزتها. واحب ان اعلم القراء ان الكاتبة والباحثة المغربية فاطمة المرنيسي كانت قد كتبت سنة ٢٠٠١ "Scheherazade Goes West" -يا للصدف!- وشرحت في مقدمة الكتاب ان صحافية اجنبية كانت قد استفزتها ايضاً لكتابة هذه الدراسة -يا للصدف!- فيا جماعة وخصوصا معجبي السيدة حداد، نحن في حضرة مقرصنة -غير ماهرة- تظن ان احد لا يقرأ في العالم العربي وان احد لن يكتشف عمق "الهامها" -وسرقتها- من المرنيسي. واليكم الاثبات http://books.google.com/books?id=3lDM3fsA7ewC&printsec=frontcover&dq=mernissi&hl=en&ei=iP89TdL-FIO8lQegnLzqBQ&sa=X&oi=book_result&ct=result&resnum=5&ved=0CDcQ6AEwBA#v=onepage&q&f=false الصفحة ٢. فهذه هي الجومانة!