الحقائب «اليتيمة» المنسيّة في أحد مستودعات المطار، تختزن تاريخ الحرب الأهليّة. إنها المادة الأوّليّة التي يشتغل عليها شربل قطّان (1970) في باكورته الروائيّة «حقائب الذاكرة»، الصادرة عن «دار نوفل» ضمن مشروعها لاكتشاف تجارب أدبيّة جديدة. الرقيب إيهاب علام المتفاني في عمله، يقاصصه المدير بنقله إلى قسم الحقائب الضائعة في مطار بيروت. هذا الرجل المتوحّد ـــ مسلم قذفت به الحرب إلى ميتم للرهبان، فكبر في كنف الأبونا نعمان ـــ لا يملك أي طموح وظيفي رغم ثقافته ومهاراته. هدفه الوحيد الاهتداء إلى والده الذي انتزعته منه القذائف.
الكاتب الذي لم نسمع به من قبل (يعمل حالياً في جوهانسبرغ حسب تعريف الناشر)، هو ابن الجيل الضائع الذي ما زال ينبش في السجلات الحميمة، وفي الذاكرة الجماعيّة، عن حكايات دفينة، وحيوات مجهضة، ومصائر معلّقة. يفاجئنا هنا بنص سلس، ولغة عفويّة أليفة، وسرد ديناميكي، وبنية هندسيّة بسيطة وفاعلة، وحبكة مشوّقة تستعير تقنيات الأدب البوليسي. قد تبدو خيوط اللعبة غليظة ومتوقّعة أحياناً في روايته، لكنّنا، لسبب ما، ندخلها متغاضين عن ضعف يشي بحرفة في بداياتها. شيء غريب يمسك بالقارئ من حنجرته، ويأخذه بين منعرجات الحكاية: من جحيم العنف الأهلي إلى ما بعد اغتيال الحريري. في الخلفية، تتراءى أسئلة سياسيّة ووطنيّة عدّة (الحرب، الطائفيّة، المحاصصة، الفساد، فلسطين ومخيّمات االلجوء...). تتراصف التفاصيل ـــ على لسان البطل الراوي ـــ لتعيد تركيب عالم قابع في زاوية مظلمة من ذاكرتنا الراهنة. التقطيع السينمائي للرواية يجعلها جاهزة للتصوير. ورغم وطأة نهاياتها السعيدة، فهي تعلن ولادة كاتب لبناني اسمه شربل قطّان.