على الغلاف فتاة حافية القدمين، تغطي رأسها بوشاح أزرق وترتدي سروالاً مزركشاً فضفاضاً، كأنها تتسكع في الأزقة الفقيرة. إنها أسطوانة المغنية الفرنسية الشابة Zaz. هكذا أرادت Zaz (اسمها الأصلي Isabelle Geffroy) أن تعطي صورة «شعبوية» عن نفسها في عملها الأول، بدءاً من صورتها على الغلاف وصولاً إلى نصوص أغانيها. يضاف إلى ذلك طريقة أدائها ونبرة صوتها التي تعكس شخصية صبيّ شقيّ آتٍ من الشارع
، بعد نهارٍ من اللعب والصراخ، أو تلميذة مراهقة أمضت الليل باكية من آثار حبٍ أوّل. خرجت أسطوانة Zaz إلى الضوء قبل أشهر، لتبيع أكثر من 400 ألف نسخة، متصدرةً المبيعات في فرنسا. ومطلع الشهر الحالي، منحها متصفّحو موقع L'internaute الفرنسي لقب شخصية العام في مجال الموسيقى.
بدأت Zaz (1980) مسيرة فنية هامشية في العاصمة الفرنسية، بعدما درست الموسيقى في صغرها. غنت قبل أربع سنوات في النوادي والحانات وإلى جانب بعض الفرق المحلية المغمورة، غير أن الشابة التي بلغت الثلاثين على الهوية ولم تتخطّ السادسة عشرة في بلوغ الصوت، انتقلت إلى عالم الأضواء فجأة، إثر إطلاق ألبومها الأوّل.
لهذه الشهرة السريعة والاستثنائية أسباب عدّة، نتلمسها بداية من تضارب الآراء حولها، وتالياً من الأغنيات التي وردت في تسجيلها الأول غير المعنوَن. فالصحافة الفرنسية تلقفت الظاهرة الجديدة بين نقدٍ فاتر وآخر مرحِّب جداً. الفئة الأولى أخذت على المغنية الشابة اندراج تجربتها في خانة الفن التجاري. والثانية أثنت على صدق التجربة وعفويّتها واشتمالها على عناصر جمالية موسيقية وشعرية عدّة، إضافة إلى الصوت المميز الذي تتمع به Zaz. في الواقع كلا الرأيَيْن على حق. لكنّ من يتهمها بالتجارية تناسى بعض المحطات التي تستحق الاهتمام، لناحية اللحن والتوزيع والكلمة، فيما يتناسى المرحّبون أغنياتٍ من الألبوم تحيل المستمع إلى أجواء «ستار أكاديمي» التافهة (النسخة الفرنسية)، مثل في Eblouie Par La Nuit وLe Long De La Route وغيرهما. من هنا، يصبح السبب الرئيسي في انتشار اسم Zaz وأغانيها، توجّهها إلى الجمهور الشبابي بأذواقه المختلفة حدّ التناقض. هكذا نقع في ألبومها على الشعبي الجيّد وغير النخبوي ضمن الأغنية الفرنسية ذي الملامح الأوروبية والعالمية، وعلى التجاري بنسخته المعاصرة (خاصة لناحية التلوين في الأداء الصوتي) الرائجة بين المراهقين منذ نحو عقدين.
بعيداً عن المنحى التجاري لبعض المحطات، نجد في ألبوم Zaz أعمال جيدة، تندرج في خانة المنوعات الفرنسية التي تلجأ هامشياً إلى أنغام الجاز والصول. تؤدي المغنية الشابة هذه الأغنيات بعفوية مفرطة، متسلحة بنبرة خاصة وحقيقية، وروح تنشط تارةً لتتناسب مع الألحان الرشيقة (أغنيتا Prends Soin A Ta Langue وNi Oui Ni Non) وتنضح بالحنان أو الخيبة (مثل في استعادة Dans Ma Rue لمعشوقة Zaz، الراحلة إيديت بياف). إضافة لبعض الألحان الجميلة، تضاف النصوص التي تتناول مواضيع الحب والحياة اليومية بمشاكلها المعاصرة، والتي تنبذ المال وتنتقد البورجوازيّة والثراء على أنواعه (Je Veux). ثمة نقطة قوة إضافية في ألبوم Zaz، تتمثل بالكتابة الهارمونية الجميلة والبسيطة واستخدام الآلات الحية بدلاً من الأصوات المبرمَجة. في هذا السياق، لا تخلو بعض الجمل الموسيقية، لناحية التوزيع، من البداهة، والعناصر المستهلكة في الأغنية الفرنسية الشعبية الجديدة تحديداً، على غرار زميلتيْ Zaz، المغنيتين الشابتين أوليفيا رويز، وإميلي لوازو. لهذا الغرض تعاونت Zaz مع مجموعة من الموسيقيين الناشطين على الساحة الفرنسية، مثل المغني Raphael الذي أنجز نصاً وموسيقى ثلاث من الأغنيات، والمنتج والفنان الفرنسي (من أصلٍ تونسي) خير الدين سلطاني، إضافةً طبعاً إلى الأغنيات التي حملت توقيعها. لا شك في أن تجربة Zaz تستحق المتابعة في المستقبل، على أمل ألا تقع في الرتابة والتكرار، كما حصل مع أوليفيا رويز...