احتشد محبّو سايد كعدو وزملاؤه وأصدقاؤه وطلّابه يوم أمس، في تلك البلدة الشماليّة، وهم لا يكادون يصدّقون أنّهم هنا لوداعه. تحلّق هؤلاء بصمت وذهول حول عائلة السينمائي اللبناني الراحل (1948 ـــــ 2011)، في كنيسة «مار يوحنا المعمدان» في زغرتا. الزملاء ودّعوا مخرجاً ملتزماً بقضايا مجتمعه، ستفتقده السينما الوثائقيّة. الرفاق في «المنتدى القومي العربي» ودّعوا أحد مؤسّسي المنتدى، وعضو مجلس أمنائه. طلاب «كلية الفنون الجميلة ـــــ قسم السينما والتلفزيون» في «الجامعة اللبنانيّة» ودّعوا أستاذاً رافق مشاريع تخرّجهم عن كثب، وجّههم ورافق خطواتهم الاحترافية الأولى، وأورثهم عشق التفاصيل.طغت اهتمامات كعدو السياسية على همّه الفني. بقي يحتفظ برومانسيّة يسار الستينيات. يتذكر المقرّبون منه أن أيّ سؤال عن مشاريعه الفنيّة الجديدة كان يبدأ بكلمتين في السينما، قبل أن يتوجّه الحديث صوب الهاجس القومي، من العراق إلى فلسطين. أبرز أعماله يبقى «ارفع رأسك يا أخي» (2002)، وفيه يمنح البطولة المطلقة لجمال عبد الناصر. أرّخ كعدو في هذا الشريط لمرحلة صعود الزعيم العربي، من دون الاعتماد على الشهادات والوثائق، بل من خلال التركيز على التسجيلات الصوتيّة، أو المرئية والمسموعة للزعيم على امتداد أكثر من عقدين.
أعماله الوثائقيّة مطبوعة بمسحة سوداويّة، تتجسّد في «تقاسيم من بغداد» (1999)، الحائز الجائزة الأولى في «مهرجان لايبزغ» في ألمانيا. هنا يلاحق المعوّقين والمرضى في مستشفيات بغداد الواقعة حينها تحت الحصار. أما بداية علاقته بالفنّ السابع فكانت من خلال الحرب الأهليّة اللبنانية التي خصّها بعملين روائيين هما «زوار بالصدفة» (1977)، ثم «بيروت 1978»، بعد تخرّجه من «معهد السينما العالي للدولة» في موسكو. ظروف الحرب الأهليّة فرضت عليه الانقطاع عن الإنتاج السينمائي لفترة، ليعود لاحقاً من باب الوثائقي. هكذا، أنجز «طريق العودة» (1995) عن قضية المهجرين، و«الشباب والمخيمات» (1996)، و«قانا» (1997)، والأخير متوافر على أسطوانات «دي. في. دي» بحسب صديقه عبودي أبو جودة، الناشر والموثّق وهاوي السينما. حافظ كعدو على مسافة مع الأضواء. «لم يكن من أولئك الذين ينسجمون مع الدعاية والترويج الذاتي»، يخبرنا أبو جودة. كغيره من جيل الحرب في السينما اللبنانيّة، عاش كعدو كلّ الخيبات والانكسارت. «كان يجد في الوثائقي نوعاً من الالتزام بسرد التاريخ والواقع، بعيداً عن استيهامات الخيال».