للمرة الثالثة، تصدر الكاتبة اللبنانية الفرنكوفونية منى مكرزل (الصورة) عملاً ليس رواية ولا شعراً ولا خواطر. هل يمكن القول إنّ كتابها Au Fil Des Pages : Miroir الصادر حديثاً عن «منشورات درغام»، يجمع كل هذه الأنواع معاًً؟ على أي حال، وبعيداً عن هذه التصنيفات، نحن إزاء كاتبة موهوبة وبارعة تبدع ضمن إيقاعها الخاص.منذ كتابها الأول Miroir/rioriM عام 2007، لفتت مكرزل الأنظار بجودة الكتابة وفرادتها، وتمتعها بطاقة في «تشبيك» الكلمات والمعاني لتشعرنا بأننا إزاء زوبعة من المفردات المتداخلة، أو هذيان من الجمل المتعانقة والمتوالدة من أرحام ذاتها، حيث اللعب على المعنى والكلمة، بل على اللفظ. وهنا تكمن أهمية الصياغة لديها.
لا شك في أنّ مكرزل قادرة على الإحاطة بمادة التأليف. نحن أمام كتابة يصعب تصنيفها بتسرع، ويبقى على القارئ أن يتأمل جملها الوافرة والغزيرة حيث جمعت بين الأناقة والموسيقى والحكمة والقصة القصيرة والشاعرية، وحيث لا الطرافة ولا السخرية تغيبان. أما الابتكار، فيكمن في الترابط الوثيق بين اللغة والفكرة، أي بين الأسلوب وتركيب الجملة من حيث اللعب على المعاني واللعب على الكلام أيضاً.
ليس نصها سرداً مباشراً، ولا حتى قصيدة عادية تقتصر على الصورة والإشارة وبعض تعقيدات المعنى. بل عكس ذلك، المعنى واضح جداًً في كتابة مكرزل. ما هو دقيق ومعقد، هو طريقة تشكيل المعنى ضمن طرافة تركيب الجملة. كتابة مكرزل ترتكز على عنصر أساسي، ألا وهو اللعب السريع والهاذي بأدوات النص، والتسلسل البليغ في صياغة الجملة والفكرة على إيقاع لاهث لكن منتظم، تجعل القارئ ينجرف لا إرادياً في زوبعة من المفردات التي لا تخلو لحظة واحدة من الحدة والطرافة والأناقة.
متمكنة من لغتها، تقولبها بتفنن، تسيطر عليها وتذهب أبعد في شيطناتها اللغوية. لا ضجر ولا تعب في نصوص مكرزل. إنها في كل سطر تمدّ حبل إغرائها نحو السطور اللاحقة وهكذا دواليك وصولاً إلى نهاية الكتاب، جاعلة من الواقع والخيال عالماً واحداً لا يفصل بينهما شيء. تشير إلى مرارة حالتنا الإنسانية، لكنها تحوّل هذه المرارة إلى سخرية حيناً، وطرافة لبقة في أحيان أخرى. كتابة تتميز بالحنكة والوعي، وهي بمثابة نزهة في حديقة الكلمات على أنواعها.