القاهرة| يبدو أنّ «ثورة الياسمين» لم تصب نظام زين العابدين بن علي فقط، بل وصلت سهامها إلى الفنانين، الذين فضّل معظمهم السكوت عمّا يحصل في وطنهم. تكرّرت الأسئلة عن سبب غياب نجوم تونس عن الأحداث، لتفتح هذه الأزمة مجدداً ملف العلاقة الملتبسة بين الفنانين والحكّام العرب. رغم جماهيرية النجوم، فإنهم نادراً ما يخرجون من عباءة النظام الحاكم، وقد تزامن الهجوم عليهم في تونس مع حملة مشابهة على فناني مصر، الذين لا تبرز «نخوتهم» الوطنية إلا عندما يسمح النظام بذلك، تماماً كما حصل بعد تفجير الاسكندرية.لا غرابة إذاً، أن يتعرّض نجوم توانسة من أمثال لطيفة التونسية وهند صبري ولطفي بوشناق، لهجوم من الجمهورين العربي والتونسي، وخصوصاً أن هذا الأخير قرّر إجراء جردة حساب مع هؤلاء النجوم، الذين ارتبطوا بعلاقات مع النظام الديكتاتوري السابق.
هكذا طاولت سهام النقد كلّ من أسهم أو سكت عن ممارسات نظام بن علي في السنوات السابقة، وطبعاً كلما زادت نجومية الفنان، ارتفعت الأصوات الغاضبة. وهذا ما حدث تحديداً مع هند صبري، وخصوصاً بعدما أصدرت منذ أسبوع بيانها الشهير «لا تطلقوا النار»، الذي دعت فيه إلى محاسبة المسؤولين عن عمليات القتل التي حصلت في الشارع التونسي. هنا ذكّرها الغاضبون بـ«عريضة العار» التي وقّعتها عام 2010 مع 65 شخصية تونسية بارزة، وطالبت فيها الرئيس (المخلوع اليوم) بالترشح لفترة رئاسية جديدة! وكان من أبرز الموقّعين بين فناني المغنى صابر الرباعي ولطفي بوشناق وأمينة فاخت ولطيفة العرفاوي (لطيفة التونسية) وهند صبري...
ومع سقوط نظام بن علي، خرجت صبري مجدداً لتقول إنّ توقيعها «عريضة العار» لم يكن اختيارياً، بل اتصل بها بلحسن طرابلسي، صهر بن علي، وأخبرها أن اسمها سيُدرج في قائمة الموقّعين. وعندما طلبت منه عدم إقحام اسمها في الملفات السياسية الداخلية، قال لها «لقد فات الأوان» وسألها ما إذا كانت شيوعية أو إسلامية كي ترفض توقيع العريضة. وبعد هذا التبرير، طلبت صبري «الصفح» من جمهورها لأنها كانت خائفة من أيّ ضرر قد يلحق بأسرتها في تونس، أو منع النظام إيّاها من العودة إلى بلادها. وبغضّ النظر عن كل هذه التبريرات، يبقى الأكيد أنّ صبري قد تشاهد شعبيتها تترنّح في العالم العربي.
أما لطيفة العرفاوي، فأدى صمتها على نظام بن علي إلى شن هجوم عليها من جانب جريدة «الدستور الأصلي». وأشارت هذه الأخيرة إلى أن العرفاوي تعلّق دوماً على مختلف المصائب والمشاكل التي تصيب العالم العربي، لكنها آثرت الصمت منذ اندلاع الثورة في بلدها الأم. وأضافت الصحيفة إن الموقع الرسمي للعرفاوي لم يضع شارة الحداد على الضحايا إلا بعد التأكّد من سقوط النظام، عندئذ فقط نشرت الفنانة التونسية قصيدة «إذا الشعب يوماً» بصوتها. ومع ذلك، فضّلت في تصريحاتها الأخيرة النأي عن مهاجمة بن علي، والتأكيد أنّ علاقتها به كانت عابرة.
وفي المقلب الآخر، كانت الممثلة درّة أكثر جرأةً من زميلاتها. أطلقت تصريحات تساند التغيير داخل تونس حتى قبل سقوط النظام، لكنها ظلّت متحفظة في اختيار مفرداتها خوفاً على أسرتها كما قالت. وأسهم ابتعاد صابر الرباعي عن الصحافة في عدم توجيه انتقادات كبيرة إليه، بينما اكتفى بتأجيل نشاطاته الفنية حتى تستقر الأوضاع. أما لطفي بوشناق، فأطل على قناة «الجزيرة» بعد هدوء الأوضاع (طبعاً) ليدعو التونسيين إلى الوحدة، ناسياً أيضاً أنّ اسمه ورد في «عريضة العار» السيّئة الذكر.