مدن، وتواريخ، وصراعات، رصاصات طائشة، ورسائل في الوله الدمشقي... هذه المواضيع، وأخرى، احتلت واجهة إنتاجات السينما العربية لعام 2010. نظرة سريعة على خارطة إنتاجات الأفلام الروائية الطويلة، ستضعنا أمام بانوراما عن مشاغل الحياة العربية، في مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وستكتمل الصورة إن أضفنا إليها باقة أعمال وثائقية شغلت بحرفية أكبر.وإذا كان فيلم بهيج حجيج «شتي يا دني» قد قُدّم بوصفه فيلماً عن مخطوفي الحرب الأهلية، إلّا أنّ بناءه الدرامي وسرده التلفزيوني سيرجّحان كفة شريط خليل زعرور «ملاكي»، كالوثيقة الأهم عن المخطوفين عام 2010. أبرز إنتاجات السينما اللبنانية خلال العام المنصرم، كان فيلم «رصاصة طايشة» لجورج هاشم (راجع المقال ص 18). هنا يتحرّك البناء الفيلمي، ضمن النطاق العائلي، كمعبر نحو سرد الحرب الأهلية. ليست علاقة الحب المضطربة والمحاصرة بالخوف في شريط هاشم إلا نتيجة حتميّة للصراع، بدرجاته المتعددة العائلية، والمذهبية، والفردية. يمكن الحديث لبنانياً أيضاً عن فيلم «طيب، خلص، يلا»، لرانيا عطية والأميركي دانيال غارسيا. إنّه شريط ديجيتال مصوّر بتقشّف، وبواسطة كاميرا محمولة، يرصد فيه المخرجان حياة شاب يعيش ملتصقاً بأمه في مدينة طرابلس الشماليّة، قبل أن يتحوّل سفر الأم إلى مساحة لنبش الحياة الطرابلسية بعوالمها السفلية.
على الساحة السوريّة، سُجّل حضور أكبر للقطاع الخاص. السينمائي السوري محمد عبد العزيز قدّم احتفالية سينمائية في العاصمة السوريّة، في شريطه «دمشق مع حبي» (راجع المقالة صفحة اليسار). في ثانية تجاربه الإخراجية بعد «نصف ميلّيغرام نيكوتين»، ذهب المخرج أبعد من موضوعه الأساسي، عن علاقة الأقلية اليهودية بالعاصمة، ليركّز اهتمامه أولاً وأخيراً على المدينة. هكذا، بدا العنوان أشدّ سحراً ورسوخاً، بوصفه معبراً نحو هموم جيل جديد في السينما السوريّة، ينجز أفلامه بإنتاجات خاصة، بعيدة عن «المؤسسة العامة للسينما».
السينمائي السوري عبد اللطيف عبد الحميد انتقل أيضاً إلى عالم الإنتاج الخاص، مع فيلمه «مطر أيلول» (إنتاج هيثم حقي)، بعدما كانت جميع أفلامه السابقة من إنتاج المؤسسة العامة. في هذا الشريط، نرى دمشق مدينةً للوله والجنون، إذ يراهن فيه عبد الحميد على الفانتازيا. منذ البداية، تضعنا الكاميرا أمام سيارة غارقة بالصابون وهناك من يغسلها، كأحد المهووسين بالنظافة، ما يجعل «مطر أيلول» قريباً من تجربة عبد الحميد السابقة في «نسيم الروح».
وفي استكمال لتداخل الوثائقي مع الروائي، يمكن الانتقال إلى مصر مع جديد أحمد عبد الله «ميكروفون». يُشغل السينمائي بنبش الفرق الموسيقية في الإسكندرية، كأنّه على خطى بهمن قبادي في «لا أحد يعرف شيئاً عن القطط الفارسية». الهامش الإسكندراني هو الخيط الرئيسي الناظم للفيلم، وإذا بالموسيقى، على اختلاف أنواعها، الحامل الشرعي لما يعيشه جيل مصري جديد، سواء في الهيب هوب أو الروك أو غيرهما من أنماط «موسيقى العوالم السفلية».
وخرجت إلى العلن إنتاجات مصرية أخرى، تقدّم مثالاً جيداً عن أسبقية الموضوع على الفيلم. في باكورته «678»، استعار محمد دياب رقم حافلة للنقل العام، هي بؤرة للتحرّش الجنسي في القاهرة. سينسج حولها خيوط الأحداث التي تبدو منفصلة، فإذا بها تتصل على طريقة أليخاندرو غونزاليس إيناريتو في شريطه الشهير «بابل». يصوّر دياب ثلاث نساء مختلفات طبقياً واجتماعياً، سرعان ما تجتمع مصائرهنّ. من جهته، يحكي المصري المقيم في أميركا هشام عيساوي في فيلمه «الخروج»، قصة علاقة شاب مسلم بفتاة قبطية. يقدّم الشريط نظرة جديدة إلى العشوائيات وأخلاقياتها، بتصوير لافت جداً، وحبكة وإيقاع مميزين، ونهاية محكمة.
فلسطينياً، لم نشهد العام الماضي إنتاج أي فيلم روائي طويل، على عكس النوع الوثائقي الذي شهد إنتاجاً بأفلام جديدة مميزة من أبرزها فيلم محمد مساد «هذه صورتي وأنا ميت». يحكي الفيلم عن ابن القيادي الفلسطيني مأمون مريش، أي بشير مريش الذي كان بحكم الميت لدى اغتيال والده في أثينا عام 1983. فقد كان جالساً في حضنه حين أقدم القاتل على إطلاق النار. ستكون علاقة الأب والابن محركاً لشريط «أبي من حيفا» للمخرج الدنماركي الفلسطيني عمر شرقاوي. سيقودنا الشريط إلى علاقة المخرج بأبيه منير شرقاوي الذي تتمركز حياته حول لحظة تاريخية معمّمة على مئات آلاف الفلسطينيين المشردين في أصقاع الأرض، وعلى أجيال ولدت وعاشت ولم ترَ فلسطين لمرة واحدة.
صدام حسين بقي الكلمة المفتاح في إنتاجات السينما العراقية، كما في شريط عدي رشيد «كرانتينا»، وفيلم قتيبة الجنابي «الرحيل من بغداد». يقف العملان على النقيض من شريط قاسم عن «المغني» الذي جاء ملفقاً ومخيّباً للآمال. حضرت الحرب العراقية أيضاً في شريط التونسي عبد اللطيف بن عمار «النخيل الجريح»، بوصفه واحداًَ من أهم إنتاجات السينما المغاربية، بينما سنعثر على بناء جمالي خاص قدمه المغربي محمد مفتكر في شريطه «براق».