في مجموعته الجديدة «سيكون لك ما تريد» (إصدار خاص)، يكتب عادل نصار ما يشبه التقارير الشعرية الشخصية عن حياته وأفكاره وخيالاته. لا يكترث هذا الشاعر اللبناني للانتماء إلى مزاج شعري محدّد، ولا يعنيه كثيراً إن كانت اللغة التي يكتب بها تستجيب أو لا تستجيب لمعايير الشعر التي نعرفها. الكتابة هنا خطابية وعارية تقريباً، مستفزة وذاهبة إلى هدفها من دون تلكؤ تقتضيه الصور والاستعارات عادةً. يريد الشاعر أن يقول لنا ما يحدث له فعلاً لا ما يمكن أن يُتخيَّل. الخيال ـــــ إن وجد ـــــ هو حصيلة اللغة غير الراغبة كثيراً في التحليق، والملاصقة لأرض الواقع وقعر الذات. يكتب عادل نصار عن حياته ومدينته وأصدقائه وحبيبته وطبيبه النفسي وأدويته ومهدئاته، محوّلاً كل ذلك إلى كتابة يتجاهل تصنيفها. لا يهمّه إن كانت شعراً أو نصاً مفتوحاً أو متعدد الأجناس. بالنسبة إليه، الفكرة أكثر أهميةً من طريقة تقديمها. لعلّ هذا اقتراح شعري يتبنّى تخفيف الشاعرية عن الشعر لمصلحة زيادة جرعات السيرة الشخصية، وعرضها للقارئ من دون تنميق اجتماعي أو لغوي. هكذا، يصبح مقبولاً أن نقرأ شيئاً مثل: «بطيئاً كسلحفاة/ ثقيلاً ككهل/ مستديراً كبرميل نفايات/ مغفلاً كمن فقد جدواه/ أتناول مهدئاتي/ الموضّبة بأغلفة براقة/ كطفل أبله/ سهل الانقياد/ أنفذ وصايا الأنبياء المعاصرين»، أو: «منذ وقفت في حضرتهم/ فقدت أهليتي/ وأمسيتُ فأراً/ لا يملك شجاعة/ الابتعاد عن مختبراتهم».
ما يكتبه نصار عن نفسه وأطبائه، ينطبق على معظم تفاصيل حياته الأخرى، عن أصدقائه، يقول: «لن أغفر/ بعد الآن/ لرفاقي الذين هجروني/ منذ زمن طويل/ وسأستعيض عنهم بصداقات رثة/ لتطردهم من الذاكرة/ وتزيل الآثار والندوب/ التي خلّفوها وراءهم». المرأة لا تنجو من كتابة مماثلة: «للمرة الأخيرة أحذّركِ/ فلن أسمح لكِ بصلبي/ بعد اليوم/ سأنتقم منكِ/ باصطحاب خادمتكِ الوفية/ إلى السهرات المقبلة/ فهي أسرع منكِ/ في خلع الثياب/ وارتدائها».
هكذا، ينتبذ عادل نصار لنفسه زاوية خاصة، وينظر منها إلى عالم قاسٍ وموحش لا يستطيع أن يكون مواطناً بكامل الصلاحيات والمزايا فيه. الأرجح أنّ جزءاً من طرافة وجاذبية ما نقرأه عائدٌ إلى الهشاشة الإنسانية التي تتحرك تحت الكلمات والجمل. كأنّ الكتابة تتساوى مع الآثار الجانبية لحياة لا تعاش كما يُشتهى.