الجزائر ـــ 22 سنة مرّت على رحيل الشاعر عبد الله بوخالفة منتحراً، في قسنطينة مدينة الجسور المعلّقة. وقّع بيان «الخيبة»، ورمى بنفسه تحت القطار في أحد أيام تشرين الأول (أكتوبر). كاد شعراء بلد المليون ونصف مليون شهيد، ينسونه، لو لم ينفض الشاعر بوعلام دلباني الغبار عن أعماله في كتاب صدر أخيراً بعنوان «فجيعة التروبادور» (البيت ـــ 2010).تذكّرنا حياة عبد الله بوخالفة (1964 ـــ 1988) بمسارات الكتّاب التائهين، والشّعراء الملعونين. اعتنق الشعر لغةً، والترحال مذهباً، وغادر الحياة قبل أن يكمل ديوان «حيزيات» الذي أراد من خلاله كتابة سيرة أشهر عاشقة في تاريخ الجزائر حيزية، ونهايتها الدرامية مع عشيقها سعيد.
تخبرنا كتب الأدب أن الروائي الأميركي أرنست همنغواي، انتحر بعدما عجز عن قول ما وجب عليه قوله. وانتحرت الشاعرة الجزائرية صفيّة كتو تحت صدمة اكتشاف محدودية الذّات. وانتحر عبد الله بوخالفة بعدما استعصت عليه الإجابة عن بعض الأسئلة الوجودية، فأعلن رحيلاً مبكراً في قصيدة «التروبادور». «فتحت الرؤى وانتحرت مع ورقات الصباح/ مع النور والسحب الشجرية إني انتحرت/ ومن شفتيك تفجرت المطرات التي حملتني إلى الليل/ إني انتحرت/ وناديت في كل كهف بصوتي/ الخراب». ويضيف: «يا رفاق الخراب: اجعلوني دماً للخراب/ وارسموني على جبهة اللاجئين/ مدناً ووروداً/ كي تزول الحدود/ بين عيني والجائعين».
الموت والاحتضار هما موضوعتان حاضرتان في نصوص بوخالفة الشعرية التي واكبت المنعرج الأهم للحركة الشعرية الجزائرية خلال عشرية الثمانينيات. رغم حياته القصيرة، أرّخ لمعالم التجربة في نصوص تلقت نصيبها من الرّفض، وظلّ صاحبها يردّد: «الشعر يستلزم تجربة حياة».
يركز بوعلام دلباني في كتابه على مقولة مكسيم غوركي «جئت إلى هذا العالم لأختلف معه»، إذ إنّها تلخّص عوالم بوخالفة الفكرية، والإبداعية، بعيداً عن لغة المرثيات وسوداوية البكائيات. يناقش دلباني غنائية الممانعة في شعر صاحب «مقدمات للبوح» الذي توقف طويلاً عند أعمال أدونيس وخليل حاوي.
«كثيراً ما سمعت عبد الله بوخالفة يتحدّث عن أطروحات ماركس الشهيرة حول فيورباخ، وكثيراً ما كان يردد، بالأخص، الأطروحة الحادية عشرة التي نادت بتحويل النظرة الفلسفية من «تفسير العالم» إلى «تغييره»»، يكتب. قبل أيام قليلة من الانتحار، قال بوخالفة «لقد وصلت إلى الجدار». ويفسّر بوعلام دلباني نهاية الشاعر التراجيدية: «إنها أزمة الوعي الخائب، وأزمة الإفاقة على التصدع الكبير بين الواقع والممكن».