كتب الناقد الإنكليزي جون بيرجر مرة أنّ «ما يجعل الصورة الفوتوغرافية اختراعاً غريباً هو أنّ موادها الأساسية الضوء والزمن». في مقال شهير له بعنوان «فهم الصورة»، انتقد بيرجر عالم التصوير الفوتوغرافي، باعتباره فناً جمالياً خالصاً. هكذا، حدّد دور التصوير كشيء معاكس للرسم، وكسلاحٍ ذي حدين له أهميّته في الصراع الأيديولوجي، من طريق بناء الرؤية الواقعيّة الشاملة وتأكيدها. يثير التصوير الفوتوغرافي نقاشاً نظريّاً طويلاً، لأنه أحد الفنون الحديثة. وقد رفض المفكّر الفرنسي الراحل جيل دولوز اعتبار الفيلم نتاج تتابع حركي للصورة الفوتوغرافية.هذه النقاشات وغيرها، ستأخذ مكاناً كبيراً ضمن برنامج «فيلم وصورة فوتوغرافية»، التظاهرة التي افتتحتها «غاليري مكان» أمس في عمّان، وتضمّ برنامجاً من العروض على مدى ثلاثة أيّام. تعرض «مكان» مجموعة أفلام وثائقية وتجريبية مهمة، تتناول الصورة الفوتوغرافية كموضوع. وتأتي هذه العروض في جزء أول من سلسلة طويلة، تبحث على نحو تأملي ذاتي شأن الصورة الفوتوغرافية.
بادرت إلى إطلاق هذه التظاهرة فنانة الفيديو والمصورة الفوتوغرافية الأردنية عريب طوقان. وكما هو معروف، عالجت الأخيرة في أعمالها مواضيع الذاكرة المحلية والعربية، من منظور سياسي واجتماعي، من خلال استخدام الصورة وسيطاً أساسياً للتلقي.
النظرة إلى الأفلام المعروضة، وأسماء المخرجين، تبيّن لنا أنّها مختارة بعناية تكفي لتثير نقاشات حامية في بلد كثر فيه عدد المصورين الفوتوغرافيين الهواة. يعرض مثلاً فيلم «نوستالجيا» للفنان الأميركي هوليس فرامبتون، الذي يعد أحد رواد الهيكلية والتجريبية في السينما إلى جانب مواطنه ستان براكيج. يقوم فرامبتون في 38 دقيقة بحرق عدد من الصور الفوتوغرافية بالأبيض والأسود، مصحوبة بتعليقاته التي تذكر مواضيع الصور، واضعاً المشاهد في حالة نقاش نشطة مع الصورة في ماضيها وحاضرها وعلاقتها بالكلمة.
يعرض أيضاً فيلمان طويلان للمخرج الألماني هارون فاروقي، هما «صور من العالم ونقش الحرب» (1988) وهو «دراسة لعناصر مختبئة في صور حربية»، و«وحدات فيديو عن ثورة» (1992) الذي يوثّق الثورة الرومانية بواسطة مواد فيلمية مؤرشفة. هذا إلى جانب أعمال أخرى مثل فيلم كريس ماركر الشهير «رصيف الميناء» (1962) الذي يعتمد فيه على الصور الثابتة كبناء للفيلم، وعملين لمواطنته الفرنسية أنياس فاردا هما «أوليس» (1982) و«مرحباً أيها الكوبيون» (1963). يبقى أن تقودنا النقاشات إلى مساءلة الصورة العربية راهناً ومستقبلاً.

6:00 مساء اليوم وغداً «غاليري مكان» (جبل اللويبدة ــــ عمان). www.makanhouse.net