القاهرة ـــ بعد عاصفة الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر، وما تلاها من اتهامات لـ«الحزب الوطني» الحاكم بتزوير النتائج، شهدت الساحة الإعلامية هدوءاً نسبياً. خفتت الأصوات المعترضة، وهدأت موجة المدّ والجزر بين اللجنة المكلفة متابعة الأداء الإعلامي وبعض القنوات، أبرزها «دريم»، و«الفراعين».لكن في الأسبوع الأخير من عام 2010، عاد التوتّر إلى الساحة. وكانت البداية مع البرنامج الشهير «مانشيت»، الذي يقدّمه الإعلامي جابر القرموطي على شاشة «أون تي في». ورغم أن هذه الأخيرة تعاني مشاكل في نسبة مشاهديها، فإنّ «مانشيت» استطاع جذب الجمهور، وخصوصاً أن مقدّمه هو في الأساس صحافي اقتصادي بارز في جريدة «الأهرام».
وكان القرموطي قد استضاف مجدي عاشور، وهو النائب «الإخواني» الوحيد الذي نجح في الانتخابات البرلمانية، إلّا أنّ الحلقة انتهت بطريقة مفاجئة ومن دون أيّ كلمة ختام. ومنذ تلك اللحظة، انتشرت شائعات عن توقّف البرنامج إلى أجل غير محدّد. وما زاد من صدقية هذه الشائعة، عدم بثّ البرنامج يوم الأحد. وقد اختلفت التبريرات التي أُعطيت، إلّا أن كثيرين قالوا إنّ نبرة الإعلامي المصري العالية، وهو يقرأ العناوين الصحافية التي تهاجم أمين تنظيم «الحزب الوطني» أحمد عز هي وراء هذه الأزمة.
لكن الجدل لم يدم طويلاً، إذ أطلّ القرموطي مجدداً يوم الاثنين مباشرةً على الهواء، ليعلن أن سبب غيابه كان المرض وطلبه إجازة عاجلة. ونفى الشائعات التي تحدّثت عن أن سبب التوقّف هو خفض مخصصات العاملين في البرنامج بداية العام الجديد، إلّا أن عودة البرنامج لم تخرجه من دائرة الجدل. حالما قدّم القرموطي حلقة عن ضابط شرطة شاب ساعد مواطناً على الحصول على فئة دم نادرة، خرجت أصوات تؤكّد أن «مانشيت» يحاول إيجاد توازن سياسي.
وبعد ذلك بأيام، واجهت دينا عبد الرحمن، مقدّمة برنامج «صباح دريم» على قناة «دريم 1» مشكلة من نوع آخر. إذ كان يُفترض أن تستضيف في الحلقة الأخيرة من عام 2010، وللعام الثاني على التوالي، الإعلامي الشهير محمود سعد. وحُدِّد موعد الحلقة بعد أربعة أيام فقط من الحلقة المثيرة للجدل التي أطلّ فيها الإعلامي البارز عماد الدين أديب (راجع «الأخبار» عدد 1301). وكانت المفاجأة اضطرار سعد إلى الاعتذار قبل ساعات من الحلقة. أما الحجّة، فهي أن عقده مع شركة «صوت القاهرة» المنتجة لبرنامج «مصر النهارده» على «التلفزيون المصري» تمنعه من الظهور على أيّ قناة أخرى، باستثناء «أم. بي. سي»، و«أزهري». وقد فجّر هذا التبرير عشرات التساؤلات عن الأسباب الحقيقية لمنع سعد من الظهور في «دريم»: وهل ستكون تصريحاته أشد قوة من تلك التي أطلقها عماد الدين أديب؟ أم الهدف كان معاقبة القناة المصرية؟ بغض النظر عن الجواب، بدا واضحاً أنّ الجميع مقتنع بأنّ عقد سعد مع شركة «صوت القاهرة» الحكومية ليس سوى حجة لم يصدّقها أحد، وخصوصاً أنّ الإعلامي الشهير سبق أن ظهر في رمضان الماضي في ثلاثة برامج على محطات مختلفة من دون أن يعترض أحد، وهو ما يؤكّد أنه حتى لو كان البند الذي تحدّث عنه سعد صحيحاً، فإن تطبيقه لم يحصل إلّا عند إعلان ظهوره على «دريم».
ورفضت دينا عبد الرحمن حضور أيّ ضيف بديل، وقدمت الحلقة بمفردها. كما تخلّل البرنامج اتصال مع محمود سعد اعتذر فيه للمشاهدين ولأسرة القناة عن موقفه، وأكد أنه من الآن فصاعداً سيدقّق في العقود قبل أن يوقّعها! ثم تناولت الحلقة قضايا أخرى كان أبرزها موضوع الجاسوس المصري الشهير جمعة الشوان، الذي اشتكى من سوء المعاملة الحكومية له في أزمته المرضية. هكذا، انتهت الحلقة ولم تنته التكنهات والشائعات بشأن ما قد تواجهه القنوات الفضائية من تضييقات خلال العام الحالي، وهو عام انتخابات الرئاسة في مصر. وما زاد الطين بلّة أنّ الكثير من مقدمي برامج الـ«توك شو» باتوا أكثر حذراً في الأسابيع الأخيرة، إذ بدا الكل خائفاً من مواجهة مصير عمرو أديب، وإبراهيم عيسى. وقد يكون الإعلاميون اختاروا سلوك الطريق الآمن بعد التصريحات التي يطلقها وزير الإعلام أنس الفقي إثر كل حادثة يواجهها الشارع المصري، حيث لا يتردّد في مطالبة وسائل الإعلام الحكومية والخاصة «بأن تكون على قدر المسؤولية في مواجهة الأزمات»، وآخرها جريمة تفجير «كنيسة القديسَين» في الإسكندرية. هكذا يبقى على كل إعلامي أن يفسّر التصريح بما يضمن عدم تعرض برنامجه لأيّ مضايقات. مضايقات أثبتت التجربة أن مصادرها قد تكون مختلفة، إلّا أن نتيجتها واحدة، ولا يمكن الهروب منها.


محمود سعد النجم الغاضب


رغم أنه استجاب لضغوط شركة «صوت القاهرة» ولم يذهب إلى استديو «صباح دريم»، فإنّ محمود سعد ـــ أبرز إعلامي مصري حالياً ـــ أكد أنه غاضب من هذا الأسلوب في المعاملة. وأضاف إنه لن يجدّد تعاقده مع «التلفزيون المصري» بعد انتهاء العقد الحالي في أيلول (سبتمبر) 2011، وإنه يتمنى أن يختم مسيرته الإعلامية في قناة «دريم»، التي انطلق منها قبل عشر سنوات. وكان محمود سعد قد غاب عن تغطية الانتخابات البرلمانية الأخيرة عبر شاشة «التلفزيون المصري»، ورداً على سؤال عن منعه من الظهور كي لا يهاجم الحكومة، قال سعد إنه «لم تكن هناك انتخابات أصلاً كي أعلّق عليها».