لتصل إلى جان كلود ربّاط، عليك أن تمرّ على سبايك أولاً. الكلب الـ«روتوايلر» الشرس الذي لا يحبّ الغرباء، ينتظرك عند مدخل المبنى. لن يسمح لك بالمرور إلّا بإذن صاحبه. بمجرّد تخطّيك هذا الحاجز، ستجد نفسك في جو أكثر ترحيباً. صالة للجلوس تزيّنها شجرة الميلاد، وجوارب تنتظر أن تملأ بالهدايا حول المدفأة. وأنجو القط الأبيض الذي ينشد الدفء داخل المغارة، في ظلّ شجرة الميلاد. بهدوء، يتحدث جان كلود عن لعبة بدت كأنها قدره. لم يردها بداية، لكنها كانت قد اختارته.
لقد وضع خطّة لحياته في ملعب كرة السلّة، ليكتشف لاحقاً أنّها لن تكون ساحة إنجازاته الكبرى. وإذا كان في كرة السلّة سيتعلّم الذوبان في اللعب الجماعي ويرضي شغفه باللعبة التي ورثها عن أبيه جوزف ربّاط، فإنه في الوثب العالي سيبتعد عن حياة الفريق ليتفرّد بإنجازات شخصيّة لم يحقّقها لبناني قبله في هذه الرياضة. الشاب الكثير الحركة والقفز في ملعب كرّة السلّة الذي ارتاده منذ الـ12، لفت نظر مدرّبه إيلي صفير... وهكذا بدأت المغامرة.
كان في طريقة قفزه، شيء دفع بمدربّه إلى حثّه على خوض رياضة الوثب العالي. لكن ربّاط كان يرفض دوماً الاقتراح، إلى أن أصرّ عليه إيلي صفير بالمحاولة وهو يتدرّب في ملعب فريق «الشانفيل» الذي كان يرأسه ريمون بحلق، أمين سرّ اتحاد ألعاب القوى حينذاك. من المحاولة الأولى، سجّل ربّاط 1,85 سنتم، ما جعل بحلق يتّصل بوالده في اليوم التالي ليحثّه على إقناع ابنه بالعودة إلى ناديه ليتأكّد من قدراته في اللعبة.
ربّاط، المصرّ على الولاء لكرة السلّة، لم تكن عودته إلى ذلك النادي سهلة. وقبل أسبوع من بداية بطولة العرب لألعاب القوى للناشئين في اللاذقيّة عام 1996، رضي ربّاط بالعودة والمحاولة مرة ثانية. سجّل في البطولة 2,05 سنتم جعلته يحصد ميدالية فضيّة. كانت هذه المرة الأولى التي يتخطى فيها لبناني منذ زمن طويل المترين. قبل ربّاط، كان 1,96 سنتم أفضل رقم حقّقه لبناني. مع هذه النتيجة، بقي صديقنا ممانعاً: «رأيت حينها أنني خضت شيئاً جديداً وانتهى الموضوع».
كان يصعب على المقتنعين بموهبته في هذه اللعبة أن يتركوه يفلت من بين أيديهم بسهولة. مرّة أخرى، أرسلوه إلى insep في فرنسا (المؤسسة الوطنية للرياضة والتربية البدنية)، ليخضع للتدريب، قبل أن يشارك في «دورة الألعاب العربية الثامنة» في بيروت عام 1997. سجّل ربّاط في هذه الدورة رقماً جديداً للبنان، 2,14 سنتم، وحصل على الميدالية البرونزية. بعدها، لم يعد بالإمكان التراجع وتتالت الإنجازات.
مع تنقّله في كرة السلّة بين نوادي «الورديّة»، Mont la salle، «الحكمة»، «الجمهور» و«الشانفيل»، ثم انتقاله إلى تدريب فريق «الأنطونيّة» الدرجة الثانية، كان جان كلود استثناءً في رياضة الوثب العالي. كلّ مرة، كان يحقّق رقماً جديداً لنفسه ولبلده. كان أول لبناني يتأهّل إلى دورة الألعاب الأولمبية في سيدني 2000، بعد تحقيقه 2,25 سنتم. ثم تأهّل مرة ثانية إلى دورة الألعاب الأولمبية في أثينا 2004، بعد إحرازه رقماً جديداً هو 2,27 سنتم. انتزع أربع ميداليات ذهبيّة عن فئة الوثب العالي في بطولات ألعاب القوى العربية، وذهبية ألعاب غرب آسيا عام 2002، في الكويت. لكن الإنجاز الأكبر كان في «الألعاب الآسيوية» في قطر عام 2006.
حين دخل المدينة الرياضية في الدوحة، كان كل رياضي يكتب ويوقّع على الحائط إلى جانب علم بلاده. تقدّم جان كلود، وكتب إلى جانب علم لبنان «نحو الميدالية الذهبية». يعلّق قائلاً: «كان هذا إحساسي منذ البداية». لم يخب حدسه يومها. خاض تحدّياً كبيراً وشاقاً أمام منافسيه الكازاخستاني والياباني. لكنه حصل على ذهبيته بفرق المحاولات، كما كان قد حثّه مدرّبه رالف مشبهاني، بعدما حقّق الثلاثة رقم 2,23 سنتم.
بالنسبة إلى جان كلود، اللبناني ـــــ الألماني رالف مشبهاني هو أكثر من مدرّب، هو «معلّمي» يقول. كان مشبهاني الوحيد الذي يدعم قرار ربّاط لعب كرة السلّة بالتوازي مع الوثب العالي. مع مشبهاني أولاً ثم بإشرافه لاحقاً بعدما أصبح يدرّبه الروماني دورو كريسان، حقّق ربّاط إنجازاته.
لكن الأمر لم يكن سهلاً، ولا سيما أنّ «الإداريين في اتحاد ألعاب القوى اللبناني وفي كل الاتحادات الرياضية إجمالاً في لبنان لا يؤمنون برياضييهم». ربّاط الذي أثبت موهبته وجدارته في اللعبة، أخّره مراراً غياب التمويل والمدربين. اضطر أحياناً أن يتوقّف عن ممارسة الوثب العالي، لسنة أو اثنتين ثم البدء من جديد، أو اضطر للمشاركة في بعض البطولات من دون أن يكون قد خضع للتدريب مع مدرّب. وشارك مثلاً في الألعاب الآسيوية الأخيرة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 في غوانغزو (الصين)، من دون أن يرافقه مدربه دورو كريسان.
يقول جان كلود: «لو توفّرت لي مسيرة رياضيّة طبيعيّة، لكنت بالتأكيد في سن 26 أو 27 سنة تخطيت 2,30 سنتم». هذا الرقم هو هدف ربّاط اليوم الذي يعود مع السنة الجديدة للتدرّب في نادي «إنتر ليبانون»، واتخذ قرارات لاتجاهاته المقبلة. ويرى ربّاط أننا بحاجة إلى نوادٍ بمخططات ورؤية طويلة المدى لتدريب الرياضيين الجدد، فيما أكثر النوادي لا تخضع رياضييها لتدريب قاس إلّا قبل أيام أو أشهر من بطولة لبنان التي تعاني مستوىً متدنّياً جداً في لعبة الوثب العالي. ليس بين الرياضيين الجدد من يتخطى 1,92 سنتم. «هذا الرقم طبعاً لا يؤهلهم للمشاركة في أي بطولة عالمية».
يؤلم الرجل الذي يقف وحيداً في الميدان، ألّا يكون هناك من يخلفه حالياً وهو يقترب من سن التقاعد في رياضة الوثب العالي، وأصبح أصعب بكثير عليه تحقيق إنجازات جديدة بسبب غياب الحافز. ربّاط حقّق كثيراً من الإنجازات التي كان يريدها، من تصنيفه رقم 34 عالمياً عام 2004 إلى بطولة العرب وآسيا، فأصبح اليوم بالنسبة إليه الجهد الذهني أكبر من ذلك الجسدي. في انتظار القرارات الجديدة، يقضي ربّاط وقته في متابعة الرياضة وفي ممارسة هوايات من نوع آخر. فهو يحب الطهو مثلاً الذي يقرّ به بقليل من الخجل، والاهتمام بديكور المنزل، إضافة طبعاً إلى الاعتناء بمدلَّليه سبايك وأنجو...


5 تواريخ

1977
الولادة في المنصوريّة
(لبنان)

2000
شارك للمرة الأولى
في الألعاب الأولمبيّة في سيدني

2002
نال ذهبيّة بطولة غرب آسيا
لألعاب القوى في الكويت

2006
حاز الميداليّة الذهبيّة
في «الألعاب الآسيويّة» في الدوحة

2011
يستعدّ لخطواته للسنة الجديدة
في نادي «إنتر ليبانون»