قبل شهر تقريباً، نشرت جريدة «الأخبار» خبراً يتيماً عن مشاركة الممثل والكاتب والمخرج السوري أنس كنعان (34 عاماً) ـــــ شقيق الزميل وسام كنعان ـــــ في مسلسل «العقاب»، في مناسبة ذكرى عاشوراء. وها هو الخبر الثاني يفرض نفسه فوق صفحاتنا بعد وفاة أنس في حادث سير في دمشق، فجر الليلة الأولى من العام الجديد، قبل أن يوارى في الثرى بعد ظهر يوم السبت الماضي.هذا الشاب الحيوي النابض بالحياة، يجمع في شخصه التناقضات. هو رصين وساخر في آن واحد، جاد وفكاهي إلى أبعد الحدود. يصف نفسه بأنه «ممثل نص كم، ومخرج مسرحي بلا رخصة». هو ليس متخرجاً من معهد الفنون. لذا، عندما قرأ عبارة «متخرج معهد الفنون الجميلة» في إحدى الصحف العربيّة، رد فوراً بأسلوبه الساخر: «لست متخرج معهد، لكن صيت غنى ولا صيت فقر». مَن يزر صفحته الخاصة على موقع «فايسبوك»، يشعر كأن أنس توقع ألّا يكون عمره طويلاً. عند بلوغه الـ34 عاماً (قبل عشرين يوماً)، وضع على صفحته بيتاً شعرياً لمحمود درويش هو: «هم الذين إذا شاهدوا حُلُماً، أعدوا له القبر والزهر والشاهدهْ». وفي مكان آخر كتب: «أنا المهرج البائس لأنّ أحداً لم يعد يود الضحك». وعلّقت إحدى صديقاته على رحيله قائلة: «لم يسعك البقاء يا صديقي، فرحلت والفرح، وبقي البؤس كإشارة على بداية طريق هذا العام، رحمك الله».
منذ البدايات، رسم كنعان الطريق لنفسه، محدّداً المسرح أولويّةً لا تراجع عنها. في عام 1995، انضم إلى نقابة الفنانين في سوريا، بصفة ممثل يعمل في مجال المسرح. وقد عمل ممثلاً وسينوغرافاً ومخرجاً. كذلك كتب نصوصاً مسرحية مجازة من مديريّة المسارح في دمشق، وحصل على جوائز عدة من مهرجانات عربية عديدة.
هكذا، انهمك أنس بالمسرح، وقدّم عروضاً مسرحيّة عدّة في سوريا. في عام 2004، أسّس فرقة «رحيل للمسرح» وأرادها «منبراً لأفكار أعضاء الفرقة ومشاريعهم، بحيث تكون فرقة خاصة مستقلة عن كل المؤسسات». وهي تضم على حد تعبيره «مجموعة من العاشقين للمسرح، ولأن العشاق كثر، فقد بدأ عدد الأعضاء يتزايد يوماً بعد يوم».
شاركت الفرقة في مهرجانات في العاصمة السوريّة من خلال خمسة عروض مسرحيّة هي: «حلم يقظة» (مسرح مكان)، و«رحيل رقم واحد» (تجريبي)، و«بائع الفرح» (مسرح طفل)، و«المكنسة السحرية» (مسرح طفل وعائلة)، وحصدت جوائز عدّة. كذلك قدّم عام 2008 مسرحيّة «ساعة من الحياة» التي تنتمي إلى المسرح الواقعي. وقد أراد تقديم عروض جديدة منها بعد تطويرها في العاصمة اللبنانيّة. وبدأ بالفعل التواصل مع بعض المسارح في بيروت من خلال بعض الأصدقاء. وكان قد حدّد الربيع المقبل موعداً لتقديمها، على أن يتفق مع الفنانة التي ستقاسمه التمثيل في المسرحيّة ثنائيّة البطولة.
وفي انتظار العودة إلى المكان الذي يعشقه، حين تتحسن الأحوال، شاءت الظروف أن تكون آخر إطلالة له قبل أسابيع على الشاشة الصغيرة، وتحديداً على قناة «المنار» ضمن مسلسل «العقاب» من كتابة عبد الغني حمزة، وإخراج رشاد كوكش. وجاء المسلسل في ذكرى عاشوراء. وهي من تجاربه الدراميّة النادرة في التلفزيون، ليس لأنه يفضّل المسرح فحسب، بل لأنه غالباً ما كانت العروض التلفزيونيّة بعيدة عنه بسبب الحسابات الكثيرة والشللية التي تحكم الصناعة التلفزيونية في سوريا، والتي غالباً ما تهمّش الطاقات الشابة.