رغم اعتزاله الغناء وسلوكه درب «الإيمان»، لم يخرج فضل شاكر من دائرة الضوء. على عكس غالبية الفنانين الذين يأفل نجمهم وتتحوّل حياتهم «عادية»، صار صاحب الأغاني الرومانسية محطّ الأنظار أكثر مما كان عليه سابقاً. قال كلمته في الاعتزال ومضى في حياته الجديدة، معلناً تغيير مهنته من فنان إلى داعية إسلامي يعتبر الأغنية «حراماً». لم يبرّر خطوته الأخيرة، ولم يشرح للجمهور وجهة نظره.
لكن لغاية اليوم، لا يوجد وريث لرومانسية فضل وإحساسه. لا تُعرف أسباب موجة التديّن المفاجئة تلك، لكنها بالتأكيد ليست وليدة صدفة أو عبثية قام بها «الجغل». من المعروف أنّ صاحب أغنية «الحب القديم» كان يتخبّط في وجهين متناقضين، حتى الأحلام يستحيل أن تجمعهما. في الختام، خرج «بطلاً» استطاع التغلّب على «الشيطان ووسوساته».
تؤكّد مصادر «الأخبار» أنّ فضل لم يكن يعرف ابن مدينته صيدا أحمد الأسير، إمام «مسجد بلال بن رباح». فقد التقيا قبل سنتين، تحديداً يوم بدأ يسطع نجم الأسير. في تلك الفترة، توفيت والدة الفنان السابق، وكان يعتبرها مرجعه الروحي. عاش صدمة جعلته يفكّر في ترك عالم «الفسق»، وهو كان طلب أمه الدائم. بدأ يومها بالتفكير الجديّ في ترك الغناء، لكنه لم يتخيّل يوماً أنه سيصل إلى درجة التديّن (التشدد؟) التي وصل إليها حالياً. كيف يقضي الفنان المعتزل يومه؟ تقول المصادر إنّ الفنان لم يعد يعرف حياة السهر والمشروبات. هو يستيقظ صباحاً مع أذان الفجر ثم ينطلق إلى الجامع ويتلقى دروساً في الدين. كان المعتزل يعرف الخطوط العريضة في الإسلام فقط. أما اليوم، فيتعمّق في الدين ويدقق في كل شاردة وواردة. لا يطمح فضل إلى أيّ منصب سياسي في صيدا. هو يعلم جيداً قدراته المحدودة في ذلك المجال، كما لا يملك كاريزما السياسي، ولا يعرف كيف يتحدث إلى الإعلام. لذلك فضّل التديّن وترك السياسة لـ«أخيه» الأسير. في آخر إطلالاته في وسط بيروت، يوم حشد الأسير لتظاهرة ضد النظام السوري، أهدى فضل «الثورة» السورية أغنيات حماسية، لكنه لن يكرر تلك المحاولة أبداً. فقد أصبح في عالم و«الميكرو» في عالم آخر. لم يعد يهتم بشكله الخارجي، وخلع ربطة العنق. أرخى ذقنه واكتسب بعض الكيلوغرامات الإضافية. الأمر الوحيد الذي لم يستطع التخلّي عنه هو السيجارة. يعيش المعتزل اليوم حياة أشبه بنصف عزلة. يقضي وقته في الجامع متحدثاً مع رجال الدين، وقلما يحضر بين الناس، وتشعر عائلته بالسعادة اليوم لأنها تراه. لا يزال فضل يتنفس هواء صيدا، ولم يتركها يوماً. يملك قصراً فيها، ولا يزال يحافظ عليه، ولم يبعه كما تحدثت بعض المعلومات. لم يكن الفنان الأول أو الأخير الذي فتح كتب الدين. سبقه إلى تلك الخطوة ربيع الخولي الذي تحوّل راهباً. لكن ربيع كان مثالاً للتحوّل الناجح. هو لم يدخل السياسة، بل اعتنق الدين شكلاً ومضموناً، وليس كحال فضل الجديدة.