في عام 1974، توفّي المغني البريطاني نيك درايك عن 26 عاماً، بجرعة زائدة من مضاد للاكتئاب. درايك الذي قتله دواء دائه وهو في عزّ شبابه، عادت أغنياته إلى الحياة بعد نحو عقدين من النسيان. الجمهور ينطلق من هذه النقطة ليشبّه الفنان الراحل بمواطنه من أصول إيطالية بيرز فاتشيني الذي يزور لبنان للمرة الأولى ليقدِّم أمسية وحيدة مساء غدٍ في الـ«ميوزكهول»، بدعوة من «ليبان جاز».
بيرز فاتشيني لا علاقة له بالجاز إطلاقاً. إنّه رسام، ومصوّر فوتوغرافي، وشاعر ومغني بوب/ روك/ فولك، مولود في بريطانيا عام 1970، انتقل صغيراً للعيش في فرنسا، ويغني باللغة الإنكليزية. الغيتار هو رفيقه الأساسي الذي يعزفه بالتزامن مع الهارمونيكا، على غرار منتهجي هذا النمط الفني منذ عقود (أشهرهم بوب ديلان)، لكنه يتقن أيضاً العزف على عددٍ من الآلات، بينها البيانو. بعد بداية ضمن فرقة موسيقية في التسعينيات، استقل بتجربته، فأصدر أربعة ألبومات حتى الآن. عملاه الأخيران حقّقا شهرته الحالية، وكلاهما يحملان توقيع الناشر الفرنسي المميَّز Tôt ou Tard. وتجدر الإشارة إلى أنّ ثمة «علّومية» لدى متتبعي جديد الأغنية الفرنسية (أو الفنانين الفرنكوفونيين، أو حتى الناشطين فقط في فرنسا، مثل بيرز فاتشيني)؛ عندما يقعون على ألبوم لفنانٍ غير معروف، يكفي أن يروا شعار الناشر المذكور على غلاف الأسطوانة حتى لا يتردّدوا في شرائها، فأقله، لن يقعوا على تفاهات تجارية، بصرف النظر عن مدى الإعجاب اللاحق بهذه التجربة أو تلك. معظم الأسماء التي نتكلّم عنها زارت لبنان منذ مطلع الألفية (ديك آنغارن، توماس فيرسن، جان شيرهال، Têtes Raides...).
على المستوى الموسيقي، لا جديد إطلاقاً في الأغنية التي يقدّمها فاتشيني، على الرغم من أنّه يتمتَّع بصوتٍ وأداءٍ مناسبيْن جداً لنمطه، كما يوفَّق ببعض نصوصه (الوجدانية، الوجودية، العاطفية، الكئيبة...) المليئة عموماً بالاستعارات، إضافة إلى الرجوع شبه الدائم إلى الطبيعة بفضائها وكائناتها الحية وحالاتها وتحوّلاتها. في عام 2009، رُشِّح ألبومه «ذرتان من الرمل» لنيل Prix Constantin، لكنّ اللجنة التحكيمية اختارت آنذاك Pays Sauvage للمغنية إميلي لوازو (الأخبار 1/5/2009). يشكّل آخر إصداراته الذي يحمل عنوان «عالمي المتوحّش» My Wilderness (2011) امتداداً لما سبقه لناحية الجو العام الهادئ عموماً، كما تشترك في تنفيذه مجموعة من الموسيقيين المعروفين مثل فانسان سيغال (تشيلو)، واللبناني المقيم في فرنسا إبراهيم معلوف (ترومبت) وغيرهما.
في أمسيته غداً، يشرِك فاتشيني عضو فرقة «مشروع ليلى» اللبنانية، حامد سنّو (راجع المقال أدناه)، رداً على استضافة الفرقة له في أمسيتها التي أحيتها في العاصمة الفرنسية مطلع الشهر الماضي. وقد تشهد الأمسية ظهوراً لـ«ضيف ثان» هو الراحل نيك درايك الذي قد يؤدي فاتشيني إحدى أغنياته، مثل «إحدى تلك الأشياء» التي قدمها سابقاً بنسخة جديدة مع المغنية كاميّ، زميلته التي سبقته إلى بيروت قبل سنوات.

بيرز فاتشيني: 9:00 مساء الغد ـــ «ميوزكهول» (ستاركو ــ بيروت) ــ للاستعلام: 01/999666



عاجلاً أم آجلاً

يُعتَبَر Tôt ou Tard من أبرز ناشري الموسيقى في فرنسا، خصوصاً في مجال الأغنية المعاصرة التي تُنتَج هناك، تلك الناطقة بلغة موليير أو بغيرها، لفنانين فرنسيين أو من جنسيات أخرى. وبالفعل، فقد جمع تحت جناحيْه مجموعة من التجارب الشعبية الجديرة بالاهتمام، حتى بات عنوان ثقة لدى الجمهور. زار عددٌ من فناني Tôt ou Tard بلدنا، لكن الجمهور اللبناني ما زال ينتظر بعضاً ممّن أحبّ نتاجهم الفني ولم يأتوا بعد، مثل إميلي لوازو وفانسان دولرم وغيرهما، على أمل أن تنجح الجهات المختصّة في دعوتهم... عاجلاً أو آجلاً!