بات واضحاً أن التجربة الإعلامية في غزّة اليوم لا تشبه سابقاتها في الحروب السابقة. وفيما يبرز دور وسائل الإعلام التقليدية والافتراضية كسلاح أساسي في المعركة، نلاحظ أنّ هذا التغيير أرخى بظلاله على الوجود والأداء الإعلامي الأجنبي في القطاع. ولعل ما قاله مراسل شبكة «أن بي سي» الأميركية في غزة أيمن محيي الدين أول من أمس خير دليل على هذا التحوّل الجديد: «إنها دينامية مختلفة تماماً».
يوضح المراسل المصري الأميركي أنّ تغطية العدوان اليوم تختلف تماماً عما كانت عليه قبل أربع سنوات بسبب «السماح للصحافيين بالدخول، والانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي». في عام 2008، لم يتمكّن مراسلو وسائل الإعلام الأجنبية من الدخول إلى القطاع بسبب إجراءات المنع الإسرائيلية، وقد بقي محيي الدين وحيداً هناك برفقة مراسلة «الجزيرة» الإنكليزية شيرين تادروس. وفي الوقت الذي كانت فيه المنافسة خجولة بين الثنائي أثناء تغطية عملية «الرصاص المصبوب»، فقد واجها يومها معضلة أساسية في عملهما الميداني: «لا نستطيع أن نكون في كل مكان في الوقت نفسه». لكنّ أعداداً هائلة من المؤسسات الإعلامية «هبطت» على غزّة خلال الأيام الماضية، إذ «لا شيء يضاهي أهمية وجودنا على الأرض»، يقول محيي الدين للـ«هافينغتون بوست». لكن، ماذا عن الـ«نيوميديا» وانتشار ظاهرة «صحافة المواطن»؟ لا يعتمد الصحافيون على المعلومات التي يقدمها المواطن على مواقعهم الخاصة، بل دخلوا هم في اللعبة «الافتراضية». تويتر هو نجم الساحة بلا منازع. السرعة التي يوفرها الموقع جعلته ملجأ أساسياً للجسم الإعلامي. ويعتبر القصف الذي تعرّض له أخيراً «برج الشروق» الذي يضم مكاتب إعلامية عدة في القطاع أبرز مثال على ذلك، إذ سارع الصحافيون إلى كتابة التغريدات فور وقوعه.
مدير مكتب «هيئة الإذاعة البريطانية» في الشرق الأوسط بول داهانار مثلاً غرّد كاتباً: «إسرائيل استهدفت مبنى يتضمن الكثير من المكاتب الإعلامية. أنا أقف أمامه وهو يحترق». وبعد دقائق، عرض رئيس المراسلين الأجانب في «أن بي سي»ريتشارد أنغل صورة للمبنى المستهدف، مذيلةً بتعليق يشرح أنه يحتوي على تلفزيون مؤيد لـ«حماس». أما كبيرة المراسلين الدوليين في «سي. أن. أن» أروى دامون، فأكدت في تغريدة مقتل شخص وجرح خمسة آخرين في الغارة.قبل أربع سنوات، لم تكن غارة إسرائيلية واحدة لتحدث كل هذا الصخب في صفوف الإعلاميين الأجانب الذين كانوا بالكاد يشاهدون بعض الدخان المتصاعد وهم على الجانب الإسرائيلي من الحدود مع القطاع. غير أن العدوان الأخير على غزة يثبت يوماً تلو آخر أنّه فرض واقعاً إعلامياً مختلفاً لا يركّز فقط على الأكاذيب الإسرائيلية بل ينبّه إلى أنّ في فلسطين شعباً يُقتَل!