القاهرة | أكثر من أربعة أشهر مرّت على تولّي محمد مرسي سدّة الرئاسة في مصر. لكنّ الأسلاك الشائكة حول «ماسبيرو»، مقرّ التلفزيون المصري ووزارة الإعلام لا تزال قائمة منذ الفترة الانتقالية التي شهدت حصار الجمهور للمبنى العريق بغية إجباره على الانحياز إلى الشعب. لماذا تستمر الأسلاك الشائكة التي تشوّه شكل المبنى المطلّ على نيل القاهرة حتى الآن؟ وهل لا يزال أهل «ماسبيرو» خائفين من ثورة جديدة من الجمهور الذي حاصر المبنى يوم التنحي وطالب بالتغيير الشامل والانحياز إلى الشعب؟
علماً بأنّه المبنى نفسه الذي شهدت المنطقة المحيطة به مذبحة المتظاهرين الأقباط في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي. هل حقاً تغيّر «ماسبيرو» أم أنّه اكتفى بالسماح بالمذيعات المحجّبات على شاشته؟ المبنى الذي طرد نجومه المحسوبين على مبارك فور تنحّي الأخير، لم يستبدل بهم آخرين.
ورغم تعدد القيادات والوزارات، فشلت المؤسسة حتى اليوم في كسب ودّ الجمهور. لكن الإدارة الإخوانية للمبنى أو بمعنى أدق لقطاع الإعلام ككل، لم تكتف فقط بقطع الأمل لعودة «ماسبيرو» إلى الحياة. ها هي تحاصر القنوات الخاصة بأساليب لم يلجأ إليها نظام حسني مبارك. في أروقة «ماسبيرو»، لا يمر أسبوع من دون تحويل مذيع أو قارئ للنشرة على التحقيق، سواء لأنّه سمح للضيف بالهجوم على الرئيس محمد مرسي، أو لأنّه علّق بسخرية على خبر معيّن من دون أن يدرك أنّ الجمهور يسمعه كما حدث للإعلامية بثينة كامل، أو حتى لأنّه بث أغنيات شعبية في مناسبة قراءة مقال عن انتشار تلك الأغنيات في السينما المصرية. وهذا ما حدث لإحدى مذيعات محطة «الشباب والرياضة». وخارج «ماسبيرو»، جاء قرار منع بث قناة «دريم» ليؤكد أنّ وزير الإعلام صلاح عبد المقصود صاحب العبارة الشهيرة لزينة يازجي «متبقاش سخنة زيك» (الأخبار 1/10/2012) لن يعدم أي وسيلة قانونية لتحجيم القنوات الخاصة وإجبارها على مهادنة الحكومة كما قال هو بنفسه في مساجلة هاتفية بينه وبين الإعلامي وائل الابراشي على قناة «المحور». يريد النظام من القنوات الخاصة أن تتوقف عن تقويم أداء الرئيس والحكومة وإلا توقفت هي عن البث، أو تكبدت أموالاً طائلة للعودة من جديد إلى استوديوات مدينة الإنتاج الإعلامي كما يحصل مع محطة «دريم» التي تبث من خارج المدينة خلافاً لما ينص عليه القانون (الأخبار 17/11/2012). وكانت «دريم» قد حصلت على استثناء من وزير الإعلام الأسبق أنس الفقي بالبث خارج مدينة الإنتاج الإعلامي. واليوم، أعطت الوزارة الحالية المحطة مهلةً لتسوية أوضاعها، على أن تراعي كل الاستثناءات الممنوحة لوسائل إعلام أخرى مصرية وعربية. لكن ما يهم الوزير والإدارة الحالية ليس علاج أخطاء الماضي ما دامت تلك الأخطاء لا تضر بنظام الرئيس مرسي. المهم هو منع نقل الحقائق على الهواء. لهذا أصدر وزير الإعلام قبل يومين قراراً جديداً يمنع بث أيّ مواد على الهواء مباشرة من خارج مدينة الإنتاج الإعلامي إلا بالحصول على إذن مسبق. وهي إجراءات لم يلجأ إليها أنس الفقي، آخر وزير إعلام في عهد مبارك إلا خلال الثورة. هذا القرار سيمنع الفضائيات، وخصوصاً الإخبارية من بث أي تظاهرات أو تجمعات غاضبة للجمهور إلا بعد تسجيلها أولاً، كأنّ النظام يعرف أنّ هناك ثورة جديدة قادمة. الأمر نفسه يتكرر مع قناة «أون.تي. في» التي يصفها كثيرون بأنّها الأكثر انحيازاً إلى الثورة، رغم الانتقادات الموجهة إلى شخص مالكها نجيب ساويرس. هذه المحطة على موعد مع قبضة صلاح عبد المقصود قريباً، إذ قرر (مجدداً) تطبيق القانون الذي وضعه صفوت الشريف، أشهر وزير إعلام في عهد مبارك. وينصّ القانون على منع أي محطة مصرية خاصة من تقديم خدمة إخبارية، وهو ما تفعله حالياً ON tv التي بدأت في التحول إلى الطابع الإخباري الكامل منذ قيام الثورة. إذاً، نحن هنا أمام نظام يقول إنّه منحاز إلى الثورة، ومع ذلك، يستخدم القوانين التي سنّها رجال مبارك ويطبّقها فقط على الصحف والقنوات التي تسير في الاتجاه المعارض. إنّه دليل على أنّ النظام يخاف من إبراز عيوبه كما يخاف الوزير المنتمي إليه من «الاسئلة السخنة».