لا تصورات أو بروفات مسبقة في اللوحات الـ 70 التي يعرضها سمير قانصوه في «دار المصور». هناك حدّة تعبيرية هائلة في شغل الرسام اللبناني الذي يأتينا من هامش البضاعة السائدة في الغاليريات الكبرى. الحدّة مترجمة بمزاجٍ ارتجالي تنتقل عدواه بوتيرة متسارعة إلى اللوحة التي تبدو كأنها تتلقى ضرباتٍ ورشقاتٍ بدلاً من المشحات التقليدية المنضبطة في دقتها ومساحتها.
هكذا، تقتحم اللوحات عين المشاهد أكثر من استسلامها الكسول لتأملاته وانطباعاته، بينما كل لطخة لونية مطالبة بتحقيق شحنتها التعبيرية، والانتباه إلى عملية التوازن والتأليف التي يلعبها الرسام في الوقت نفسه. تتنوع الموضوعات والمشهديات داخل هذا التأليف. الجسد البشري حاضرٌ إلى جانب الطبيعة والجمادات، لكن كل ذلك مُنجزٌ داخل قياسات صغيرة تزيد من القيم التعبيرية لمكونات اللوحة. الألوان القليلة (الأسود والرمادي، مع لطخات نادرة للأحمر والأزرق والأخضر) تعزّز الضراوة المبذولة في إنجاز المادة المرسومة. الأشكال التشخيصية لا تحضر بكامل قوامها. هناك رغبة لدى الرسام في محو الملامح البشرية، أو رسم مشهد عاصف، أو إخضاع اللوحة الواحدة إلى مونتاج هندسي متفلّت، أو رسم كرسيٍّ كنوع من الطبيعة الصامتة. ممارساتٌ كهذه تضع التشخيص في حالة شُبهة تُضعف حضور الكتل المرسومة لمصلحة انطباع تجريدي من نوع خاص. الأشخاص حاضرون في اللوحات بحركة أجسادهم، لا بتشريح الأعضاء أو تحديد الملامح. ما يحدث هو حصيلة طبيعية لخلط المزاج التعبيري مع الشراسة التي تذهب بها الألوان من يد الرسام إلى سطح اللوحة التي تبدو كأنها تتعرض للخدْش والطعن، بينما الإكريليك المشبع وغير المُميَّع يصنع تكتلات ونتوءات صغيرة على سطح الأعمال المعروضة، ويُضاعف منسوب العنف الموجود فيها.
مارس سمير قانصوه الرسم كهواية وشغف شخصي. الشغف جعله مُقلاً ومتطلِّباً. منحه ذلك حضوراً متقطعاً في المحترف اللبناني. درس في قسم الديكور في كلية الفنون، ولكنه ضجر من الدراسة بعد شهور قليلة. عرض أعماله أوائل التسعينيات في بيروت، ثم غاب لفترة طويلة. لا يكترث كثيراً بمسألة الظهور والاستمرارية في العرض، أو لعل غيابه أبعده عن برامج سوق الفن البيروتية وخططها. أعماله الحالية تبدو مثل برهانٍ على مزاجه المختلف. كأن مهمة الرسم تكمن في نقل ندوبٍ وكدماتٍ غير قابلة للشفاء إلى اللوحة التي يمكن القول إنّها سوداوية، ليس بسبب طغيان اللون الأسود فيها، بل لأن قلوب ساكنيها مليئة بكدماتٍ سوداء.



حتى 30 تشرين الثاني (نوفمبر) ــ «دار المصور» (الحمرا ــ بيروت). للاستعلام: 01/373347